نحو سياسات حكومية تنحاز للفقراء ومحدودي الدخل
بقلم: صلاح هنية
لم يعد مقبولاً أن تظل سياسات الحكومة الاقتصادية والمالية محط انتقاد وعدم رضا من قبل عديد فئات وشرائح المجتمع الفلسطيني عمالاً وتجاراً ومزارعين وفعاليات حماية المستهلك.
لم يعد مقبولاً هذا الدفاع الركيك والمكرر من قبل أركان الحكومة عن سياسات غير قابلة للدفاع والأدهى عن إنفاذ سياسات لا يترك عورة لتلك السياسات إلا وكشفها.
لم يعد مقبولاً أن يظهر أركان الحكومة عاجزين عن تقديم أية ضمادة لجرح بسيط سببته تلك السياسات سواء من حيث مجرد لجم ارتفاع مرعب في سعر الأرز وارتفاع في أسعار بعض الخضار وتفاوت أسعار غير مبرر بين محافظة وأُخرى.
لم يعد مقبولاً الحديث للرأي العام الفلسطيني أننا فعلنا وفعلنا والناس تتحدى أن ترى أثراً لهذا العمل، عمل من نوع أننا أغلقنا عدة محلات نتيجة لتغولها في الأسعار، عمل من نوع أن عدم التزام القطاع الخاص بالحد الأدنى للأجور واستمرار البعض يعمل بـ 600 شيكل في الشهر.
لم يعد مقبولاً أن تكون أركان الحكومة عاجزة عن تحقيق الاسترداد الضريبي للمزارعين الصامدين، وأن يعفى القطاع الزراعي من الضريبة على الاستثمار ولا يعفى من ضريبة الدخل على العمل الزراعي، وحتى لو لم تحصل فإن شريحة المزارعين منصوص عليها في قانون ضريبة الدخل.
تُرى، لماذا لم تتمكن الحكومة من تقوية وتفعيل البرامج الموضوعة من أجل دعم الفقراء ومحدودي الدخل تجاه موجات الغلاء وتراجع القدرة الشرائية للمستهلك الفلسطيني؟، وهناك عناوين عدة يتم الحديث عنها كلما استشرى الغلاء فلسطينياً وهي شبكة الأمان الاجتماعي لـ 120 ألف أُسرة فلسطينية والتي لم تعد قادرةً على المعالجة لتأخر الصرف كل أربعة أشهر مرة وإلغاء الأبناء البالغين حتى لو كانوا معاقين أو مرضى نفسيين لا يعملون.
قيل الكثير منذ العام 2007 وفي جلسات نقاش نظمتها مؤسسة الراصد الاقتصادي "الحملة الشعبية لتشجيع المنتجات الفلسطينية " أن مشروعاً سينجز بدعم البنك الإسلامي للتنمية وهو إقامة صوامع للقمح في الضفة وغزة لتشكل عنصر أمن غذائي وتحافظ على ثبات الأسعار، في العام 2011 قيل لنا إن المشروع بات مشروع شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص ولغاية اليوم لم يتحرك ساكن.
قيل في العام 2010 وبتعليمات من رئيس الوزراء آنذاك، لوزارة الزراعة باستيراد اللحوم المبردة الطازجة لتشكل بديلاً صحياً وسعرياً للمستهلك، واجتمعنا وأقمنا الدنيا ولم نقعدها فرحاً بهذه المبادرة، ولكن لا جديد، بل تعاون موردو اللحوم الكبار بتوفير ثلاجات خاصة ونقاط بيع مباشر للمستهلك مفصولة عن بقية أصناف اللحوم البلدي حتى لا يدخل الغش من الشباك وتباع بأسعار اللحم البلدي، وبدأ البعض يضع نفسه مكان إدارة المعابر الاحتلالية التي حتماً ستمنع كذا وستشترط كذا دون أي جهد للتأكد.
قيل الكثير حول تشجيع المنتجات الفلسطينية كونها بديلاً أقل تكلفة من المستورد والمورد للسوق الفلسطينية، لكن برنامجاً واحداً لم ينجح في فلسطين بهذا الاتجاه، وما زالت القطاعات الاقتصادية كافة تصرخ وتحتج أنها لم تنل حصتها السوقية المناسبة أبداً.
هناك العديد من القوانين ليست ذات أولوية قصوى للمواطن/ة بالمقارنة مع قوانين ذات أولوية مثل قانون العقوبات لمعالجة القتل على خلفية الشرف وقضايا الأغذية الفاسدة، قانون المياه، مراجعة تعليمات تركيب عدادات الدفع المسبق للمياه دون مراعاة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، تفعيل تعليمات دعم المنتجات الفلسطينية في اللوازم العامة والعطاءات المركزية الحكومية، بينما نذهب لتشكيل مؤسسات بمسميات كبيرة خلال جلسة أو جلستين للحكومة، وتعيين رئيس لهذه الهيئة ومدير عام لهذا الصندوق وتسمية مدير عام وتحديد صلاحياته لهذه الشركة الحكومية، بينما قوانين وإجراءات ذات أولوية تطول وتطول.
حتى لا نغرق بالتفاصيل:
الإرادة الحكومية يجب أن تكون أقوى من المحددات التي تُعرض أمامنا صباح مساء من أركان الحكومة، وإلا فإن هناك إشكالية لا يُقبل أي تبرير لها ولا يُعقل أن نتفهم أن تكون المحددات أقوى من الإرادة الحكومية للتغيير والإنجاز.
تبادلتُ أطراف الحديث مع الدكتور محمد مصطفى نائب رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية أثناء انعقاد جلسة الحكومة في محافظة سلفيت وقلت له " لقد أعلنت أن الحكومة بصدد خطة إنقاذ اقتصادية خلال تمثيلك للحكومة في مؤتمر "إكسبوتك" وهناك الكثير مما يجب أن يُنجزَ في هذا الملف، بدنا همتك" قال لي "نعم لدينا الكثير مما نفعله في هذا الملف وأنا جاهز".
المطلوب اليوم فتح قنوات التأثير على صناعة القرار الحكومي في الملف الاقتصادي والمالي ولا يجوز التعامل مع مجموعة الضغط والتأثير انها جهات معادية للحكومة وبرنامجها، ترى ما هي مشكلتنا مع الحكومة لو أن عقاباً قانونياً رادعاً اتخذ بحق مروجي الأغذية الفاسدة، أو أن عقاباً قانونياً وقع بحق متغول بالأسعار، أو بحق مجموعة من التجار قررت ممارسة الاحتكار الجماعي في سلعة الأرز مثلا وأغلقت كافة البدائل السلعية وأقنعت جهة الاختصاص الحكومية أن البدائل مستحيلة.
المطلوب من الحكومة اليوم الانفتاح على آراء واستنتاجات الباحثين والمختصين العدل الذين يعتد برأيهم، في ظل اقتصاد السوق هناك حديث عن إمكانية كسر ( العلاقة المصلحية بين المستوردين والسوق المحلية على حساب المستهلك) من خلال فحص الأسعار العالمية وهامش الربح، اذ لا يعقل أن تتجاوب السوق مع الارتفاعات في الأسعار العالمية ولا تتراجع الأسعار محلياً عند الانخفاض عالمياً.
المطلوب من الحكومة اليوم وليس غدا إلزام كبار موردي الأرز وهم محدودون بوضع سعر عادل للأرُز ووقف مواصلة ارتفاعه بصورة غير منصفة للمستهلك، وهذا ليس خياراً بل واجب ملقى على كاهلها، وإذا تحملنا أحد الموردين على مدار ثلاثين عاماً دون أي مسؤولية اجتماعية ولست خبيراً ضرائبياً أصلاً لأُفتي أكثر، وهو لا يتحملنا بهذه الارتفاعات، وبالتالي وجب على الحكومة التدخل.
مطلوب منا في جمعية حماية المستهلك الفلسطيني إيجاد الأسواق الشعبية البديلة وسامحونا سنبتاع المواشي ونذبح في المسالخ ونختم ونبيع بأسعار زهيدة أقل من نصف السعر في السوق، سنذهب صوب الأغوار وطوباس ونبتاع الخضار ونبيعها في أسواق بديلة بأسعار زهيدة، اذ لا يعقل أن نبتاع "بوكسة" البندورة في الأغوار بعشرة شواقل لتاجر الجملة الذي يبيعها في رام الله وبيت لحم بـ 90-100 شيكل ولا يحرك جسمٌ حكومي ساكناً.