نابلس حكاية مستمرة لوقت من عنفوان أو "حاصر حصارك" كمبادرة وطنية تعني الحياة بقلم الدكتور ايهاب بسيسو
لا شيء يمكن أن يهزم هذه المدينة، الحالة، النبض، اليوميات التي تمتد عميقاً في التاريخ وتواصل الصعود بكل كبرياء نحو المستقبل ...
هكذا علمتنا نابلس طوال تاريخها الحي منذ أول حجر تشكلت معه المدينة قبل آلاف الأعوام إلى أحدث حارة تشكلت في البلدة القديمة ...
نابلس في فصل جديد من فصول المواجهة التاريخية والوطنية تتحدى حصار الاحتلال، بما وفرته لها الجغرافيا من امتداد في الطبيعة وإطلالة على المجد، وبما وفره لها التاريخ من حكايات صمود، جعلت نابلس - المكان والبشر والحياة على مر العصور، جبل النار والحقيقة ومشعل حرية لا تهزمه العتمة ...
"حاصر حصارك" ليست مجرد حملة شعبية تستمد معناها العميق من عبارة شعرية خالدة، أطلقها شاعر فلسطين الكبير محمود درويش قبل أربعين عاماً خلال حصار بيروت عام ١٩٨٢، "حاصر حصارك" وعي لا يحتاج إلى مقدمات بل هو الاندفاع العفوي في شرايين الانتماء والوفاء لكل من يجعل من الوقت الفلسطيني مرادفاً للصمود الوطني والنضال من أجل الحرية ...
"حاصر - حصارك"، المبادرة، التحدي، القدرة على صون الأمل في التفاصيل، ترجمة روح العرين إلى حاضنة شعبية تزداد كل يوم تماسكاً وقدرة على هزيمة الحصار ...
حصار نابلس الذي يدخل في الأسبوع الثالث على التوالي وما زال الفعل السياسي بطيئاً حذراً مرتبكاً غير منسجم مع طبيعة التحدي الشعبي الذي تصنع منه نابلس مشهداً حيوياً لعنفوان فلسطيني عابر للأزمنة ...
"حاصر حصارك" نداء الجغرافيا للجغرافيا، نداء المبادرة للمبادرات الوطنية الخلاقة القادرة على جعل مختلف الخطوات الوطنية تتحد وتتكامل مما يعزز من قدرة هذه المرحلة على عنوان صمود شعبي
نابلس تصنع مرآة جديدة للحقيقة، تحفز على ابتكار وقت تستطيع من خلاله القوى الوطنية توظيف الحالة اليومية في سياق فعل سياسي وشعبي وثقافي وإعلامي ...
كأن يتم مواصلة الكتابة من أجل هزيمة حصار نابلس، والتواصل ثقافياً وإبداعياً بكل اللغات التي من شأنها أن تمد جسراً انسانياُ نحو قلب المدينة ...
كأن يتم دعوة الدبلوماسيين العاملين في فلسطين المحتلة للتواجد في نابلس كخطوة رمزية للوقوف على يوميات الحصار، خطوة تشبه تماماً تحريك حافلات عمومية نحو نابلس من كل جهات الجغرافيا الفلسطينية لصناعة حدث شعبي، يصنع عنواناً إخبارياً عالمياً، ينطلق معه نداء إعلامي يومي بما تيسر من لغات العالم بأن نابلس التاريخ والمجد تتعرض لحصار استعماري وعقاب جماعي يتناقض مع حقوق الانسان قبل كل شيء ...
إن خلق وتحفيز مختلف آليات التواصل الشعبي والثقافي والاقتصادي والإعلامي مع نابلس كل يوم يجعل الحصار محاصراً بفعل وطني غير قابل للسكون أو الجمود، منسجماً بكل حياة مع صدى صرخة محمود درويش قبل أربعين عاماً في بيروت ...
ومنسجماً مع كل حرف وكلمة وكناية كتبها إبراهيم طوقان في زخم ثورة ١٩٣٦ الشعبية ومع كل كلمة كتبتها فدوى طوقان في مسيرتها الجبلية، المسيرة الصعبة، ومع كل نبض تجسد في صور تسجيلات سلاف جاد الله ابنة نابلس التي أسست إلى جانب المخرج الشهيد هاني جوهرية والمخرج الراحل مصطفى أبو علي ذات يوم بعيد وحدة سينما الثورة الفلسطينية ...
إنها نابلس التي نحب ...