مقدمة :
عقدت القمة العربية – الصينية الأولى في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات بالرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، وأصدرت القمة إعلان الرياض للقمة الأولى للصين والدول العربية الذي أعلن أن الصين والدول العربية اتفقت على بذل جهود شاملة لبناء مجتمع عربي – صيني ذو مصير مشترك في العصر الجديد.
وقد حضر الرئيس الصيني شي جين بينغ القمة مع قادة من 21 دولة في جامعة الدول العربية، بما في ذلك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان آل سعود، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين، وملك البحرين حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، وولي عهد الكويت مشعل الأحمد الجابر الصباح، والرئيس التونسي قيس سعيد، ورئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني من قطر، وكذلك الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط ورؤساء المنظمات الدولية الأخرى.
وألقى الرئيس شي كلمة رئيسية بعنوان “حمل روح الصداقة الصينية – العربية إلى الأمام وبناء مجتمع صيني عربي مشترك مع مستقبل مشترك في العصر الجديد”، وأشار الرئيس شي إلى أن الصين والدول العربية تتمتع بتاريخ طويل من التبادلات الودية، لقد تعرف الجانبان على بعضهما البعض وأصبحا لديهم صداقات من خلال طريق الحرير القديم، وتقاسما السراء والضراء في نضالهما من أجل التحرر الوطني، وأجريا تعاوناً مربحاً للجانبين في مد العولمة الاقتصادية، والإنصاف والعدالة في التغيير الدولي.
فقد عززت الصين والدول العربية معاً روح الصداقة التي تتميز بالتضامن والمساعدة المتبادلة والمساواة والمنفعة المتبادلة والشمولية والتعلم المتبادل، حيث أن التضامن والمساعدة المتبادلة سمة مميزة للصداقة الصينية – العربية، وتثق الصين والدول العربية ببعضها البعض وتدعم كل منهما الأخرى بقوة في القضايا التي تنطوي على مصالحها الجوهرية، كما أن الشراكة الاستراتيجية الصينية – العربية غير قابلة للكسر، والمساواة والمنفعة المتبادلة محرك دائم لصداقتهما. لقد أرست الصين والدول العربية مثالاً يحتذى به للتعاون فيما بين بلدان الجنوب في السعي إلى التعاون المتبادل المنفعة، والتعلم المتبادل قيمة أساسية متأصلة في صداقتهم، فالصين والدول العربية تقدر وتتعلم من بعضها البعض.
طرق تعزيز الصداقة الصينية – العربية.
يتعين على الصين والدول العربية المضي قدماً في روح الصداقة الصينية – العربية، وتعزيز التضامن والتعاون، وتقوية مجتمع صيني – عربي مع مستقبل مشترك، من أجل تحقيق منافع أكبر للشعوب ودفع قضية التقدم البشري، وذلك من خلال ما يلي:
أولاً: يجب أن تبقى الصين والدول العربية مستقلة وأن تدافع عن مصالحها المشتركة، حيث تدعم الصين الدول العربية في استكشاف مسارات التنمية المناسبة لظروفها الوطنية بشكل مستقل والتي تمسك مستقبلها بأيديها بثبات، إن الصين مستعدة لتعميق الثقة الاستراتيجية المتبادلة مع الدول العربية، ودعم بعضها البعض بحزم في حماية السيادة وسلامة الأراضي والكرامة الوطنية، لذلك يتعين على الجانبين التمسك معاَ بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وممارسة التعددية الحقيقية، والدفاع عن الحقوق والمصالح المشروعة للدول النامية.
ثانياً: يجب على الصين والدول العربية التركيز على التنمية الاقتصادية وتعزيز التعاون المربح للجانبين، وتعزيز التآزر بين استراتيجيات التنمية الخاصة بهما، وتعزيز تعاون الحزام والطريق عالي الجودة، كما ويتعين عليهم تدعيم التعاون في المجالات التقليدية بما في ذلك الاقتصاد والتجارة والطاقة وتطوير البنية التحتية، في غضون ذلك، يجب على الجانبين تعزيز مصادر جديدة للنمو مثل التنمية الخضراء، والخدمات الصحية والطبية، والاستثمار والتمويل، وتوسيع آفاق جديدة بما في ذلك الطيران والفضاء والاقتصاد الرقمي والاستخدام السلمي للطاقة النووية.
ويجب على الصين والدول العربية أيضاً معالجة التحديات الرئيسية مثل الأمن الغذائي وأمن الطاقة، وستعمل الصين مع الجانب العربي على تنفيذ مبادرة التنمية العالمية (GDI) ودفع التنمية المستدامة للتعاون بين بلدان الجنوب.
ثالثاً: يجب على الصين والدول العربية دعم السلام الإقليمي والسعي لتحقيق الأمن المشترك، حيث تدعم الصين الجانب العربي في تعزيز التسوية السياسية للبؤر الساخنة والقضايا الصعبة بحكمة عربية، وبناء هيكل أمني مشترك وشامل وتعاوني ومستدام في الشرق الأوسط، كما أن الصين تحث المجتمع الدولي على احترام دور شعوب الشرق الأوسط بصفتهم سادة شؤونهم الخاصة، وإضافة طاقة إيجابية لأمن المنطقة واستقرارها، وترحب الصين بمشاركة الجانب العربي في مبادرة الأمن العالمي (GSI)، وستواصل الإسهام بالحكمة الصينية في تعزيز السلام والهدوء في الشرق الأوسط.
رابعاً: يتعين على الصين والدول العربية زيادة التبادلات بين الحضارات لتعزيز التفاهم والثقة المتبادلة، ويحتاج الجانبان إلى زيادة تبادل الأفراد، وتعميق التعاون بين الشعبين، وتعزيز تبادل خبرات الحكم، كما يحتاج الطرفان إلى معارضة الإسلاموفوبيا بشكل مشترك، والتعاون في مكافحة التطرف، ورفض ربط الإرهاب بأي جماعة عرقية أو دين معين، كما يجب أن تدافع الصين والدول العربية عن القيم الإنسانية المشتركة المتمثلة في السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية، وأن تكون قدوة للتبادلات بين الحضارات والتعلم المتبادل في العصر الجديد.
خامساً: القضية الفلسطينية تهم السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وتضع الضمير الأخلاقي للبشرية على المحك، لا يمكن أن يستمر الظلم التاريخي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني إلى أجل غير مسمى، ولا تجوز المساومة على الحقوق الوطنية المشروعة، كما أن التطلعات لإقامة دولة مستقلة لا تقبل رفضاً. كما أنه يجب على المجتمع الدولي أن يرسخ الإيمان بـ”حل الدولتين” والتمسك بمبدأ “الأرض مقابل السلام” بحزم، ويعمل بكل ثبات على بذل جهود حميدة لدفع مفاوضات السلام، ويدفع الحل العادل والعاجل للقضية الفلسطينية، وأن الجانب الصيني يدعم نيل فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وسيواصل تقديم المساعدات الإنسانية إلى الجانب الفلسطيني لدعمه لتنفيذ المشاريع المعيشية.
خاتمة:
وأشاد القادة العرب في القمة العربية – الصينية على خطاب الرئيس الصيني المهم ومبادرات التعاون الثماني الرئيسية التي اقترحها، وأشارا إلى أن العلاقات الودية بين الدول العربية والصين مبنية على أساس الاحترام المتبادل والتعاون على قدم المساواة والمنفعة المتبادلة، ويولي الجانب العربي أهمية كبرى لإنجازات الصين التنموية الكبيرة ودورها المهم في العالم. وأصدرت القمة الخطوط العريضة لخطة التعاون الشامل بين الصين والدول العربية، ووثيقة بشأن تعميق الشراكة الاستراتيجية الصينية – العربية من أجل السلام والتنمية.
وفي نهاية القمة تم التوصل إلى عدد من وثائق التعاون بشأن تعاون الحزام والطريق والطاقة والغذاء والاستثمار والتنمية الخضراء والأمن والفضاء ومجالات أخرى والتوقيع عليها بين الإدارات المعنية لدى الصين من ناحية والجانب العربي والأمانة العامة لجامعة الدول العربية والهيئات التابعة لمجلس التعاون الخليجي من ناحية أخرى، حيث تنطلق العلاقات العربية – الصينية من عدد من المصالح المادية الواضحة، فبعد أن انخفضت أهمية وحجم الصادرات النفطية العربية للأسواق الأمريكية، أصبحت الصين هي المستورد الأول للنفط العربي، كما أصبحت شريكاً تجارياً رئيسياً للعديد من الدول العربية، ومستثمراً كبيراً فيها، والكثير من الدول العربية أصبحت جزءً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، وأن القمة العربية – الصينية عقدت في ظل عدد من التحديات التي تواجهها الصين، ومنها تباطؤ الصين، ومنها تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي، وتفاقم تداعيات جائحة كورونا في ظل استمرار تطبيق سياسة عدم السماح بحالة واحدة من العدوى، وما تفرضه من قيود على النشاط الاقتصادي، وما ينتج عنه من عدد من الاضطرابات الداخلية، وهذا ما يشير إلى رغبة صينية لتقوية الشراكة مع الدول العربية لمواجهة هذه التحديات، وعلى الجانب الآخر رغبة الدول العربية بفتح آفاق وشراكة جديدة مع القوى الكبرى كالصين.