عقل أبو قرع
في ظل ارتفاع أسعار غير مبرر لسلع أساسية، وبالتحديد أسعار الدجاج والبيض، خلال الأيام الماضية، هناك دعوات من أفراد ومن جهات للبدء بمقاطعة شراء هذه المنتجات، وذلك بهدف التأثير على السوق أو على الأسعار في محلات البيع، حيث تجاوز سعر الكيلوغرام من الدجاج أو من اللحم الأبيض أكثر من 20 شيكلاً، وتأتي هذه الدعوات في ظل الأوضاع الحالية الصعبة وفي ظل اقتراب شهر رمضان، حيث يزداد جشع التجار، ويصبح الدجاج الطبق الرئيس لغالبية الأسر الفلسطينية، غير القادرة أصلاً على شراء اللحم الأحمر، الذي تكون أسعاره في الظروف العادية خارج متناول غالبية الناس في بلادنا.
ومع مواصلة التلاعب في الأسواق، وبالتحديد من قبل كبار التجار، ومع ما يدفعه المستهلك من ثمن لم يعد يستطع تحمله في ظل ظروف معيشية مأساوية، ومع عدم نجاح إجراءات الحكومة حتى الآن في التحكم بالأسواق كما تم التعهد به، خاصة مراقبة الأسعار الاسترشادية ولسلع استهلاكية أساسية مثل الدجاج والبيض، وإحالة المخالفين إلى القضاء، في ظل كل ذلك، فإن دعوات المستهلك بمقاطعة الشراء للدجاج في الوقت الحالي، ولو لفترة محدودة، مبررة ويجب توفير المظلة الشعبية وبشكل منظم لإنجاحها.
وبعيداً عن المستهلك. ودون شك فالمسؤول عن ارتفاع الأسعار أو عن عدم التعامل معها بالشكل الملائم هي الجهات الرسمية، التي من المفترض أن تحدد أسعاراً منطقية أو استرشادية وتراقب الأسواق، وتحاسب من يتلاعب بالأسعار، وهذه الجهات من المفترض أن تقوم بدور أكبر مما تقوم به الآن، وبأن تتضافر جهود وطاقات الجهات المختلفة الفاعلة في هذا الصدد، وبأن يتم تطبيق قوانين وإجراءات رادعة، وأن يرى المستهلك هذه الإجراءات أو على الأقل يلمس ولو بدرجة ما التحكم في الأسعار.
ودون شك كذلك، فهناك دور مهم للمستهلك، والذي في فترات ماضية، وفي ظل التخبط بموضوع الأسعار، لعب دوراً مهماً في تحديد بوصلة ارتفاع الأسعار، حيث إن إقبال المستهلك على المتاجر الكبيرة ذات الأسعار المنخفضة، خاصة لسلع أساسية له ولأفراد عائلته، قد أدى إلى إبطاء وتيرة ارتفاع الأسعار أو الحد منها، وحتى أن بعض محلات بيع اللحوم والدواجن أضحت مستعدة للمنافسة والبيع بأسعار مراكز التسويق الكبيرة، والعامل الحاسم في ظل ذلك تصرف المستهلك، الذي أثبت أن له دوراً مهماً في تحديد سقف الأسعار والحفاظ عليها.
وبالإضافة إلى إقبال المستهلك على مراكز التسويق ذات الأسعار المنخفضة، فإن المستهلك يستطيع التحكم بالأسعار من خلال ترشيد الشراء أو الاستهلاك، أي العمل وبشكل مدروس على تقليل الطلب وفي ظل ارتفاع العرض تنخفض الأسعار، أي أن ابتعاد المستهلك عن التسوق الجشع إن جاز التعبير، خاصة في بداية مناسبات مثل بداية أو خلال شهر رمضان القادم، سيحد من جشع التاجر أو صاحب المحل في رفع الأسعار، ومثل هكذا تصرفات وممارسات حدثت في الماضي وكان للمستهلك دور مهم في ذلك.
وارتفاع الأسعار بحد ذاته يعني الإرهاق المتواصل للمستهلك الفلسطيني، ومن كل جانب، وما لذلك من نتائج وانعكاسات قد تكون وخيمة على الكثير من الأفراد والعائلات، خاصة حين يشمل الارتفاع سلعاً أساسية لا غنى له عنها مثل الدجاج والبيض، ويرتبط بسلع أخرى، وحين ترتفع أسعار بعض المنتجات، من المحتمل أن يبدأ المستهلك بالإقبال على منتجات أقل سعراً ولكنها أقل جودة أو سلامة، وهذا حدث في الماضي.
وحين الحديث عن ارتفاع الأسعار هذه الأيام، ومهما تحدثنا عن اقتصاد السوق، وعن العرض والطلب، وعن التقلبات الجوية أو التغيرات المناخية، وعن الظروف السياسية وعن الحرب هنا أو هناك، وعن التحكم في المعابر والحدود، وما إلى ذلك، من أمور يمكن أن تساهم في ارتفاع الأسعار، إلا أنه لا يعقل أن تضاهي الأسعار عندنا الأسعار في الكثير من الدول التي يبلغ دخل الفرد السنوي فيها أضعاف وأضعاف ما عندنا، وهذا يتطلب تغييراً جذرياً في سياسة الجهات الرسمية، ويتطلب المراقبة الجدية، والمحاسبة الصارمة لجشع بعض التجار، ونحن نعرف أن نسب الفقر والبطالة في بلادنا في ازدياد مطرد.
ورغم أن وزارة الاقتصاد تقوم بإصدار ونشر قائمة الأسعار الاسترشادية بين فترة وأخرى، إلا أن غياب إشهار الأسعار أو إظهارها على السلعة، سواء في حسبة الخضار أو المحلات التجارية، وعدم فاعلية حملات التفتيش والرقابة وذلك لعدم كفاية الطواقم أو قلة الإمكانيات، وكذلك ضعف ردع القوانين، وعدم تطبيق قانون حماية المستهلك الفلسطيني لعام 2005 في هذا الصدد، سوف تبقي الأسعار ترتفع حسب شهية أو مزاج أو مستوى جشع التاجر أو المزارع أو المورد، خاصة التجار الكبار.
ومع الأمل أن تبدأ وتنجح وبشكل منظم وبدعم شعبي حملة لمقاطعة أسعار الدجاج كمثال لقدرة المستهلك على الحد من جشع التجار، فإنه يجب التأكيد على الدور المهم الذي يستطيع أن يلعبه المستهلك في التحكم بالأسعار، وهذه نقطة مهمة لتبيان لماذا ترتفع الأسعار وبشكل كبير في أوقات معينة في السنة، مثلاً قبل الأعياد أو المناسبات، أي أن إقبال المستهلك وبشكل غير عقلاني على الشراء مثلاً، أي الشراء بالجملة أو بشكل غير منطقي، وبالتالي يتحمل المستهلك الذي يشتري بهذا الشكل والقادر على ذلك جزءاً من المسؤولية عن ارتفاع الأسعار، وكذلك مسؤولية الثمن الذي يدفعه المستهلك غير القادر على الشراء، ودعنا نرى نتائج حملة المقاطعة أو عدم الشراء لفترة معينة لكي نحكم على دور المستهلك، وبالتالي البناء على هذا الدور في إجراءات مستقبلية، والأهم تبني سياسات رسمية وغير رسمية للتعامل مع الارتفاع المتكرر والمؤلم لأسعار سلع أساسية.