الشكاوى.. هل تصل وتعالَج؟ صلاح هنية
2023-07-15
التقيته في مطعم للحمص في أحد الشوارع الفرعية في رام الله بعد غياب طويل، إذ لم نلتقِ بانتظام منذ تخرجنا من الجامعة. كنا نطلق عليه لقب العبقري، فقد كان مجدّاً مجتهداً في المسار العلمي، تبادلنا التحيات والحديث بانتظار طبق فتة الحمص أن يجهز. لم نتحدث عن الماضي ولكنه سرد لي دستة اقتراحات سجلتها، وما أن خرجت كتبتها على زاوية الملاحظات على جهازي الذكي كما دربتني دكتورة نظم المعلومات مرة، وأعدت التدريب بيني وبين نفسي عدة مرات، وراجعتها فيما بعد لتقييمها بين رأيي الشخصي وبين مهمتي المهنية لأتابع ما يناسب الوضع المهني والعملي.
وكانت المفاجأة أن ألتقي بعبقري آخر تزاملنا على مقاعد الدراسة في المدرسة والجامعة، وأخبرني بمساره المهني بعد التخرج وعاد الى البلد، كان يبحث عن مخرج لشقة ابتاعها وغُبن فيها، ولأن ذكاءه عالٍ طرح الموضوع بموضوعية عالية، وآثر أن تكون قصته عبرة للآخرين، فاتفقنا أن الاستفسار عن العقار قبل الشراء أو الايجار ليكون الكل في أمان، وذهبت صوب الملاحظات مرة أخرة ووثقت الأمر.
رن هاتفي الجوال، وإذا به قامة علمية ومجتمعية يحدثني عن أمر فيه اقتراح وفيه وفاء لقامة علمية ومجتمعية ووطنية توفاه الله، سُعدت أن أكون محط ثقة لأحمل هذه الأمانة، وتابعت الأمر كما يجب لأنني تذكرت يوم كنت تلميذاً لهما وكيف اجتهدا ليصنعا فرقاً فينا ويؤهلانا لمستقبل أفضل.
جوهر المسألة كما اتفقت مع السيدة الثمانينية أننا لا نوّثق الشكوى ونستسهل التذمر وتكبير الأمر دون أن نبدأ في الخطوة الأولى، وهي إيصال الشكوى بمحتوى واضح وبآلية توصيلها دون وسيط، إما بالخط المباشر أو البريد الإلكتروني أو «الواتساب» أو التطبيق وجميعها متاحة للناس، ومرات عدة نقول إننا اتصلنا ولم يُجب أحد، وهذا يحتاج إلى توثيق وفّرته وسائط التكنولوجيا، بمعنى لا يمكن أن يضيع شيء، لا الاتصال ولا البريد الإلكتروني ولا «الواتساب»، وفي نهاية الأمر يكتشف صاحب الأمر انه لم يسلك مسار الشكوى الطبيعي.
برغم كل ملاحظاتنا على الأداء العام إلا أن هناك مرجعية واضحة لتتبع مسار مشاكلنا ومصادر شكوانا، ولا يوجد من هو مؤهل لتضييع الشكوى، وأحياناً تعلق الشكوى في مكان ما ولكن متابعتها الحثيثة توصل الى نتيجة وهي تسليك قناة الشكوى واستمرار مسارها، لا يوجد مجال أمام أي كان لإهمال رأي المواطن أو اقتراحه حتى لو بعد زمن، لأن الناس ستلتقي في ورشة عمل أو لقاء مفتوح أو جلسة تخطيط، وسيستمع المسؤول الأول حول هذه الأمور بحيث تؤدي الى مراجعة شاملة وتنصف الكل.
قد يبدو الأمر مثالياً ونظرياً، ولكن هذا الانطباع سيزول عند أول تجربة وفي كل أمر في هذه الدنيا يوجد ( أول مرة ) وبعدها تسلك الأمور وتصبح ليست أول مرة، ولكننا نتردد في المرة الأولى، وبعدها نجد أن ما كنا نعتقد أنه صعب بات أمراً عادياً مارسته مجتمعات أخرى ومؤسسات أخرى ونجح ودرج.
نحتاج أن نقر أن هناك مؤسسات منفتحة على جمهورها، وتيسر عمليات استقبال الشكاوى والاقتراحات والنصائح ضمن قنوات معلنة وواضحة، وضمن نظام للشكاوى وأدوات تكنولوجية وعادية لتيسير التواصل، وهي قابلة للاقتراحات التطويرية.
وهناك خط مباشر للشكاوى لا يعمل، وهناك قنوات تواصل غير فاعلة، وبين هذه وذاك يظل أثرنا نحن كيف نجتهد ونتواصل لتسليك تلك القنوات وتفعيلها لتكون الأمور في نصابها الصحيح.
ولا يُعتبر مسار العلاقات الشخصية والتواصل مع من تيسر حلاً، بل هو يؤدي لمزيد من التعطيل وإطالة أمد عدم فاعلية قنوات تلقّي الشكاوى والاقتراحات، فمسار التواصل الرسمي هو الأصح والأسلم لنبلغ مبتغانا بالتطوير وتيسير قضايا الناس.