كتب جعفر صدقة:
يظهر فيلم قصير صور بواسطة هاتف خليوي حادثة انفجار "مفرقعة" وسط مئات المواطنين كانوا يشاركون في عرس شقيقين ببلدة ترمسعيا، الليلة قبل الماضية، أن مثل هذه المفرقعات هي أشبه بقنابل حقيقية، قادرة على التسبب بكارثة حقيقية.
المفرقعة التي انفجرت هي عبارة عن اسطوانة بحجم علبة المرتديلا المعدنية بقطر حوالي 7 سنتمترات وارتفاع حوالي 20 سنتمتراً، محشوة بمواد متفجرة، توضع في اسطوانة حديدية أشبه بسبطانة مدفع، يتم تصنيعها عادة عند حدادين بطول 40 سنتمتراً وقطر 10 سنتمترات، ومن ثم يتم إشعالها فيخرج منها لهب بارتفاع حوالي 3 أمتار وبقطر 70 سنتمتراً، ويستمر اللهب لنحو 30 ثانية، ما يشير الى احتواء "القنبلة" على كمية كبيرة من المواد كافية لإحداث انفجار قاتل.
في ليلة الشقيقين: ضياء وبهاء محمد سويكي، بحسب شهادة الشاب عيد لافي (20 عاماً) وأربعة من أقرانه لـ"الأيام" أمام إحدى غرف قسم الجراحة في مستشفى رام الله، كان هناك نحو ألف مدعو، وقد استقبل العريسان في بداية الحفلة بإشعال مفرقعتين من هذا النوع وخفت لهيبهما بسلام، واحتفظ بثلاث أخرى لإشعالها في نهاية السهرة.
وقال لافي "في حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف، وبعد أن غادر عدد كبير من المدعوين، بدأت فرقة دبكة بتقديم فقرتها في ساحة أمام صالة الأفراح، وحينها أشعلت العبوات الثلاث تباعاً، فانفجرت الثالثة وحدث ما حدث".
الفيلم الذي صور بواسطة الهاتف الخليوي، ومدته 30 ثانية، يظهر بوضوح عملية إشعال العبوات الثلاث تباعاً، وبعد إشعال الثالثة بنحو 10 ثوان انفجرت، وأظهر الفيلم أحد شباب فرقة الدبكة (الأقرب الى المفرقعة المنفجرة) يطير في الهواء، ومن ثم تضيع ملامح المكان ويتوقف التصوير".
لافي كان على بعد أمتار فقط من العبوة المنفجرة، لكنه لم يصب بأذى، وتفسيره لذلك أن الإصابات نتجت عن شظايا الحاضنة الحديدية للعبوة (الماسورة)، "لهذا فإن من أصيبوا في الانفجار كانوا موزعين في أنحاء مختلفة من الساحة، وعلى مسافات متفاوتة من الانفجار".
شاب في العشرينات تواجد في المستشفى، فضل عدم ذكر اسمه، قال لـ"الأيام" انه غادر الحفلة لقضاء حاجة، وعندما سمع الانفجار عاد فوراً الى الساحة "وصلت بعد نحو دقيقتين فقط. وجدت المصابين متناثرين في أرجاء الساحة، والصراخ يملأ المكان. كان منظراً مهولاً".
وبحسب شهادات شهود العيان والمصادر الأمنية والطبية، أصيب نحو 30 مواطناً، نقل نحو 15 منهم الى المستشفيات، بينهم خمسة أطفال، وأحد العريسين (ضياء) الذي أصيب بشكل طفيف وغادر المستشفى، فيما نقل صاحب الصالة، اياد رتيب في الأربعينات من عمره، الى مستشفى هداسا بالقدس لخطورة حالته.
حتى مساء أمس، كان ما زال يرقد في الأقسام المختلفة لمجمع فلسطين الطبي برام الله 8 مصابين، اثنان منهم في غرفة العناية المشددة: خالد عوض سويكي (في العشرينات من عمره)، والطفل عمر نسيم (13 عاماً)، فيما أدخل مساء أمس الشاب رمزي اياد (23 عاما) الى العمليات لإجراء جراحة لإصابته بجرح كبير في البطن من الخاصرة الى الخاصرة.
وحتى مساء امس، كانت أروقة مستشفى رام الله تغص بمواطنين من أهالي بلدة ترمسعيا، تعلو وجوههم حالة من الإرباك الشديد، لكن رواياتهم لما حدث كانت متقاربة الى حد كبير، وجميع الذين أدلوا بشهاداتهم أكدوا ان طلائع سيارات الإسعاف التابعة لجمعية الهلال الأحمر وعربة إطفاء تابعة للدفاع المدني، وصلت الى المكان خلال 20 دقيقة من وقوع الانفجار، وبعضهم قال إنها وصلت خلال عشر دقائق، لكن عدداً من المصابين نقل الى المستشفى بسيارات خاصة نظراً للعدد الكبير من الجرحى.
الانفجار أحدث صدمة في الشارع، والسؤال الأبرز: من أين تأتي هذه المفرقعات الخطرة، ومن يجلبها، وكيف يتم تداولها في السوق الفلسطينية رغم حظرها من قبل السلطة الوطنية منذ سنوات؟
بحسب الشهود من البلدة، فإنها تتوفر لدى شخصين يسكنان فيها، ويحتفظان بمخزون كبير منها في منزل أحدهما، حيث صادرت الشرطة كمية كبيرة من المنزل تقدر قيمتها بعشرات آلاف الشواكل بعيد وقوع الانفجار.
وبحسب شهادة محمد مالك (38 عاماً)، ووافقه آخرون من المتواجدين في المستشفى، إن عادة استخدام المفرقعات والألعاب النارية دارجة في الأعراس، ويوفرها صاحب القاعة بناء على طلب أصحاب العرس.
وقال: صاحب القاعة يوفر في العادة مشروباً غازياً وحلوى، وفي حال طلب أصحاب العرس ألعاباً نارية، فانه يوفرها مقابل مبلغ إضافي".
وأضاف: هو لا يتعامل بهذه المواد، لكنه في حال طبلها من أصحاب العرس فانه يطلبها من الشخصين اللذين يوردانها.
وقال مالك "ممارسة هذه العادة (استعمال الألعاب النارية والمفرقعات في الأعراس بترمسعيا والقرى المجاورة) تتم تحت مرأى من الشرطة، حيث يوجد مخفر في بلدة ابو فلاح الملاصقة، والمخزن الذي تخزن فيه معروف، وهو في بيت أحد الشخصين اللذين يوردانها، لهذا فإن مداهمة المخزن من قبل الشرطة ومصادرة محتوياته كانت سريعة للغاية، وجاءت بعد الانفجار مباشرة".
مأساة عرس ترمسعيا: روايات شهود عيان