في ظل الإرتفاعات المتتالية لأسعار كافة السلع ، تطل علينا الحكومة بقرار تخفيض أسعار الكهرباء ، حيث يمكن إعتبار الكهرباء السلعة الوحيدة في بلادنا التي يطرأ عليها انخفاض في ظل موجة غلاء شديدة تجتاح الأراضي الفلسطينية وربما العالم بأسرة ، حيث أن ارتفاع أسعار السلع وتحديدا الأساسية منها أصبحت تثقل كاهل كافة المواطنين وعلى رأسهم ذوي الدخل المحدود .
ربما يرى البعض هذا القرار بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح نحو التخفيف عن المواطنين لمواجهة ظاهرة الغلاء الكبير والفاحش التي تجتاح أسواقنا ، مع العلم أن مزودي خدمة الكهرباء يتحايلون على هذا التخفيض بإضافة بنود أخرى على فواتير الإستهلاك مما يؤدي إلى عدم شعور المستهلك بأي تخفيض .
إن الحديث عن التخفيض جاء بدعوى أنه يهدف لدعم ذوي الدخل المحدود وهذا شيء جيد ، ولكن لا بد من التوقف عند هذه النقطة حين يتم الحديث عن تخفيضات لدعم ذوي الدخل المحدود في الوقت الذي يتم فيه رفع السلع الأخرى بنسب أكثر بكثير من هذه التخفيضات المزعومة .
وإذا أردنا التطرق للأمثلة الحية لذلك فعلى سبيل المثال من المتوقع بداية الشهر القادم رفع سعر اسطوانة الغاز سعة 12 كيلو غرام 7 شواقل لتصبح ما بين 77 إلى 80 شيكل ، كما سيتم رفع المحروقات الأخرى مما يؤدي إلى ارتفاع أجور النقل والمواصلات ، فيما سبق ذلك رفع الضريبة المضافة على السلع مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية من سكر وأرز وطحين وغيرها من السلع والقائمة طويلة .
في ظل ما ذكر من معطيات عن الغلاء الكبير الذي أصبحنا نعاني من آثارها ، يبقى السؤال هنا : هل يمكن الاكتفاء بتخفيض أسعار تعرفة الكهرباء وإضافة ما يتم تخفيضه من خلال بنود أخرى ؟ الكثير من الأسئلة تطرح في هذا السياق .
إن هذا التخفيض المزعوم يذكرنا بما عرف بوقف استخدام المركبات الحكومية ، حين قررت الحكومة وقف استخدام المركبات الحكومية التي تحمل لوحات تسجيل حمراء ، لتمتلئ بعد ذلك شوارعنا بأرقام خضراء لا يعلم الجميع أنها مركبات حكومية ، ولكن يمكن تمييزها من خلال بداية لوحة المركبة التي تحمل الرقم 6 ونهايتها التي تحمل الرقم 99 .
بالعودة إلى ما ذكر لا بد لنا أن نطرح العديد من التساؤلات نترك الإجابة عليها للمسؤولين ومن يقرون السياسات المالية العليا ، وربما يكون أول هذه الأسئلة : هل ذوي الدخل المحدود يعتاشون على الكهرباء وحدها حتى نخفض أسعار الكهرباء فقط عليهم ونرفع أسعار السلع الأساسية الأخرى ؟ ولماذا لا يتوازى هذا التخفيض مع سلة سلع أساسية لا يمكن لأي إنسان الاستغناء عنها (ما يعرف بالسلع الأساسية التي تدعمها كافة الحكومات في أرجاء المعمورة ) .
أما إذا أردنا الحديث عن الزيادة في أقساط التعليم فحدث بلا حرج، فقد بات ارتفاع أقساط الجامعات يحرم الكثيرين من إكمال دراستهم الجامعية ، بسبب الأوضاع المادية الصعبة مما يعني أن التعليم قد يصبح خلال سنوات قصيرة حكراً على فئة معينة وهم أبناء الأغنياء فقط .
وبحسابات بسيطة ونظراً لأن ذوي الدخل المحدود هم من أكبر الفئات في بلادنا فإن قيمة ما قد يوفره المستهلك - إن كان هنالك تخفيض حقيقي في فاتورة الكهرباء لمن يستهلك ما بين 150 إلى 200 كيلو واط كهرباء شهرياً - ربما لا تتعدى 10 شواقل في الشهر وبالتالي يقارب هذا الرقم الزيادة في ارتفاع سعر اسطوانة الغاز دون النظر الى الزيادة في بقية السلع الأساسية التي تكلف ذوي الدخل المحدود مئات الشواقل شهرياً .
وفي النهاية لا بد من التفكير كثيراً بسؤال يجمل كل ما ذكر ، هل بالكهرباء وحدة يحيا الإنسان ؟