إعداد وحدة :
التاريخ: 8-11-2012
احتفل الأميركيون، أمس الأربعاء - 7.11.2012، بفوز رئيسهم باراك أوباما بولاية رئاسية ثانية، بعد ظهور النتائج النهائية للانتخابات. وعادوا، سواء كانوا من مؤيدي الحزب الديمقراطي أو الحزب الجمهوري، إلى بيوتهم وأعمالهم وحياتهم الخاصة. وعاد، معهم، العالم كله الذي ترقب النتائج، إلى حياته العادية، إلا في إسرائيل، التي بدأت تهب فيها عاصفة ردود فعل شديدة، لا يبدو أنها ستهدأ قريبا، بعد أن خسر رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، رهانه على فوز المرشح الجمهوري ميت رومني.
واتهم سياسيون في المعارضة الإسرائيلية ومحللون نتنياهو بالتلاعب بمصير إسرائيل، من خلال تأييده لرومني بشكل علني، مثلما اتهمه قادة حملة أوباما الانتخابية بالتدخل في الانتخابات الرئاسية لصالح رومني. ويرجح البعض ألا تهدأ عاصفة الانتخابات الأميركية في إسرائيل، لأن خصوم نتنياهو سيستغلون رهانه الخاسر وخيبة الأمل التي عبر عنها أعضاء كنيست من قادة الليكود بسبب فوز أوباما.
ويتحسبون في إسرائيل، في هذه الأثناء، من "انتقام" أوباما من نتنياهو، ومن احتمال أن يتدخل بصورة غير مباشرة في الانتخابات الإسرائيلية ضد رئيس الحكومة، ويدعم خصومه. رغم ذلك يرى قسم منهم أن أوباما لن "ينتقم" من نتنياهو وإنما سيتعامل معه ببرودة أعصاب وبما يستجيب مع مصالح الولايات المتحدة، خاصة وأنه إلى جانب الرئيس هناك أعضاء في الكونغرس، من الحزب الديمقراطي، سيلجمون أوباما في حال قرر "الانتقام".
وتتمحور الخلافات بين أوباما ونتنياهو حول موضوعين أساسيين: عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، والبرنامج النووي الإيراني. ويذكر أن أوباما كان قد طالب نتنياهو، في بداية ولايته في البيت الأبيض، بتجميد الاستيطان كي تتسنى العودة إلى طاولة المفاوضات، لكن نتنياهو رفض ذلك، بل وكثف البناء الاستيطاني، إلى درجة توجيه الإهانة إلى إدارة أوباما، عندما تم الإعلان عن بناء 1600 وحدة سكنية في مستوطنة "رامات شلومو"، في شمال القدس الشرقية، خلال زيارة نائب الرئيس الأميركي، جوزيف بايدن، لإسرائيل.
وفيما يتعلق بالموضوع النووي الإيراني، فقد شهد العالم كله سجالا حادا بين نتنياهو وأوباما. فقد ألمح نتنياهو إلى نيته مهاجمة إيران، حتى قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، ما أثار توترا في واشنطن. وراحت شخصيات أميركية من أعلى مستوى، وبينها وزير الدفاع ليون بانيتا، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ورئيس الأركان المشتركة للجيش مارتن ديمبسي، تتوافد إلى إسرائيل من أجل التأكيد أمام نتنياهو، ووزير الدفاع، إيهود باراك، أنه لا يوجد "ضوء أخضر" لمهاجمة إيران. ووصل السجال بين الجانبين ذروته عندما رسم نتنياهو، خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أيلول الماضي، خطا أحمر لأوباما، ورفضه الأخير بخطاب علني ووصفه بـ "الشوشرة". كذلك رفض أوباما استقبال نتنياهو في البيت الأبيض، لأول مرة.
الإعلان عن فوز أوباما "لم يكن صباحا جيدا لنتنياهو"
أكد رئيس حزب شاس ووزير الداخلية ونائب رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيلي يشاي، وجود خلافات بين نتنياهو وأوباما. وقال بعد فوز الأخير بولاية رئاسية ثانية إن "هذا ليس صباحا جيدا بالنسبة لنتنياهو".
ونقل موقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني عن يشاي قوله خلال مؤتمر في مدينة إيلات ولدى تطرقه إلى فوز أوباما إنه "على ما يبدو أن هذا ليس صباحا جيدا لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو". وأضاف يشاي في رده على سؤال حول تدخل نتنياهو في الانتخابات الأميركية لصالح رومني: "لا أعرف ما إذا تدخلت إسرائيل في الانتخابات أم لا، لكن بشكل عام يحظر علينا أن نتدخل في انتخابات أي دولة أخرى".
وقالت "يديعوت أحرونوت" إن قياديين في حزب الليكود، الذي يتزعمه نتنياهو، عبروا عن خيبة أملهم من فوز أوباما وعبروا عن تخوفهم من ممارسة ضغوط أميركية على إسرائيل من أجل "تقديم تنازلات" للفلسطينيين. ونقلت الصحيفة عن عضو كنيست من الليكود قوله إن "أوباما ليس جيدا لإسرائيل، وتخوفنا هو من أن يحاول ممارسة ضغوط على إسرائيل لتقدم تنازلات بسبب العلاقات الباردة بينه وبين نتنياهو".
وقال رئيس حركة الليكود العالمية، عضو الكنيست داني دانون، إنه لا يمكن لإسرائيل أن تعتمد على أوباما وإن "دولة إسرائيل لن تتراجع أمام أوباما، وليس ثمة من يمكن الاعتماد عليه إلا على أنفسنا".
من جانبه قال عضو كنيست آخر من الليكود للصحيفة إنه "في نهاية المطاف سنضطر إلى العمل سوية معه (أي مع أوباما). ورغم خيبة الأمل من انتخابه إلا أنني مقتنع بأن نتنياهو وأوباما سيعملان معا في نهاية المطاف".
وبعد ذلك أمر نتنياهو وزراءه وأعضاء الكنيست من حزب الليكود بالتوقف عن إطلاق تصريحات "سلبية" ضد أوباما.
وأفادت "يديعوت أحرونوت" بأن نتنياهو أصدر أوامر لجميع المتحدثين باسم الوزراء وأعضاء الكنيست من حزب الليكود ومستشاريهم بعدم إطلاق تصريحات معادية للرئيس الأميركي بعد الإعلان عن فوزه بولاية ثانية، وذلك تحسبا من "تزايد الجمود في العلاقات الباردة بين الزعيمين" أوباما ونتنياهو.
وأشار الموقع الالكتروني للصحيفة إلى أن نتنياهو تدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية من خلال استضافته للمرشح الجمهوري ميت رومني في إسرائيل قبل عدة شهور، وظهور نتنياهو في أفلام دعائية بثتها الحملة الانتخابية لرومني.
أولمرت: نتنياهو عمل لصالح رومني بتكليف من أدلسون
اتهم رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، ايهود أولمرت، نتنياهو بأنه عمل لصالح المرشح الجمهوري وخصم أوباما، ميت رومني، بتكليف من الثري الأميركي - اليهودي شيلدون أدلسون، الذي يموّل حملتي رومني ونتنياهو الانتخابيتين. ويذكر أن أدلسون أسس صحيفة في إسرائيل، هي "يسرائيل هيوم"، والتي توزع مجانا وبعدد كبير جدا من النسخ يوميا، كي تكون بوقا لنتنياهو.
وقال أولمرت، المتواجد في نيويورك، لوسائل الإعلام إن دعم نتنياهو لرومني هو "انتهاك بالغ للقواعد الأساسية في العلاقات بين الدولتين، ويكتسب هذا الأمر أهمية أكبر عندما يتعلق ذلك بحليفين مثل إسرائيل وأميركا". وأضاف أنه "يحق لرئيس حكومة إسرائيل أن يفضل مرشحا على آخر، لكن الأفضل، طبعا، هو أن يحتفظ بهذا التفضيل لنفسه. وما حدث هذه المرة كان بمثابة كسر للأدوات، عندما تدخل رئيس حكومتنا في الانتخابات في الولايات المتحدة باسم ملياردير أميركي (أدلسون) كانت لديه مصالح واضحة في الانتخابات الأميركية".
وحذر أولمرت من أنه "في أعقاب ما فعله نتنياهو خلال الشهور الأخيرة، يُطرح السؤال في ما إذا كان هناك لرئيس حكومتنا صديق في البيت الأبيض. وأنا لست متأكدا من ذلك. وهذا سيكون هاما جدا بالنسبة لنا في نقاط مصيرية. ولأسفي الشديد، فقد حول نتنياهو إسرائيل من موضوع فوق أي نقاش في المعركة الانتخابية الأميركية إلى موضوع في صلب النقاش".
وهنأ أولمرت أوباما على فوزه بولاية رئاسية ثانية وقال إنه "كان صديقا لإسرائيل قبل أن ينتخب وسيبقى صديقا لإسرائيل الآن أيضا".
من جانبها، هنأت رئيسة حزب كاديما السابقة، تسيبي ليفني، أوباما على فوزه من خلال صفحتها على الشبكة الاجتماعية "فيسبوك". وقالت إن "الولايات المتحدة أودعت مستقبلها بيدي أوباما ويوجد لهذا الأمر أهمية بالنسبة لنا. فأمن إسرائيل يستند إلى العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة المبنية على الثقة بين الزعماء وهي ثقة مفقودة اليوم، وثمة حاجة إلى محاسبة الذات وإجراء تصحيح عميق" من جانب نتنياهو.
نتنياهو يهنئ أوباما ويعقد لقاء مجاملة مع السفير الأميركي
هنأ نتنياهو أوباما بفوزه، وقال في بيان صادر عن مكتبه، إن "الحلف الاستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة أقوى من أي وقت مضى"، وإنه "سيستمر في العمل مع الرئيس أوباما من أجل ضمان المصالح الحيوية لأمن مواطني إسرائيل". ولفت محللون إسرائيليون إلى أن نتنياهو لم يتحدث في تهنئته عن العلاقات بينه وبين أوباما وإنما عن "الأمن" فقط.
والتقى نتنياهو، ظهر أمس، مع السفير الأميركي في تل أبيب، دان شابيرو. ونقل بيان صادر عن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية عن نتنياهو قوله إن "العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة وإسرائيل قوية كالصخرة وأتطلع إلى العمل مع الرئيس أوباما بغية تعزيز هذه العلاقات ودفع تحقيق السلام والأمن".
من جانبه قال شابيرو، بحسب البيان، إن "الشعب الأمريكي فخور جدا بقيمنا الديمقراطية وبانتخاباتنا الحرة ومن البديهي أن الإسرائيليين يشاطروننا هذه القيم، وقد تمتع الرئيس بتعاون أمني قريب معكم ومع حكومتكم طوال ولايته الأولى ونتطلع إلى مواصلته خلال ولايته الثانية".
لكن قبل لقائه مع نتنياهو، شدد شابيرو، صباح أمس، على ضرورة تعزيز السلطة الفلسطينية وبناء الدولة الفلسطينية والسعي إلى إعادة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات رافضا المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن شابيرو قوله في محاضرة عقدها "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب: "أعتقد أن كل من انشغل في الموضوع يدرك أنه توجد حاجة إلى سلطة فلسطينية قوية ومستقرة وقادرة على المساعدة في المواضيع الأمنية والحاجة إلى بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقبلية". وجاء ذلك بعد أن هددت حكومة نتنياهو بالتسبب بانهيار السلطة الفلسطينية إذا ما نفذت نيتها بالتوجه إلى الأمم المتحدة للحصول على مكانة دولة غير كاملة العضوية، وبعد إعلان حكومة إسرائيل عن بناء 1285 وحدة سكنية جديدة في مستوطنات في القدس الشرقية.
وأردف شابيرو "هذه مصلحتنا جميعا ولذلك فإننا نعتقد أن ثمة أهمية لأن تستمر السلطة الفلسطينية في لعب دور مركزي حول طاولة المفاوضات وليس من خلال القيام بخطوات أحادية الجانب مثل الذهاب إلى الأمم المتحدة، وهذه مصلحة مشتركة لنا ولإسرائيل". ورأى أن "الطريق الوحيدة التي يمكن من خلالها حل الصراع هي بواسطة المفاوضات المباشرة. وأنا واثق من أننا سنستمر في البحث عن إمكانيات لإحضار الجانبين سوية وسنستمر في البحث عن طرق لحل الصراع بواسطة المحادثات المباشرة".
من جانبه رأى رئيس معهد دراسات الأمن القومي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، عاموس يادلين، أن فوز أوباما بولاية ثانية سيحرك عمليات هامة كانت مجمدة وبينها الوضع في سورية والموضوع النووي الإيراني والعملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. وقال يادلين إن "الجمود الأطول كان في الموضوع الأهم وهو الموضوع السياسي" في إشارة إلى المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين.
وأضاف يادلين أنه يتوقع أن تؤثر نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة على الانتخابات العامة في إسرائيل وحتى على مرشحين لم يقرروا بعد بشأن توجههم، في إشارة إلى رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، ورئيسة حزب كاديما السابقة تسيبي ليفني، اللذين لم يعلنا بعد عن ترشيح نفسيهما للانتخابات الإسرائيلية.
وفيما يتعلق بالموضوع النووي الإيراني قال شابيرو إنه "طوال ولايته الأولى كان الرئيس (أوباما) واضحا جدا بأنه مصر على منع إيران من الحصول على سلاح نووي وهذا تعهد يتمسك به لأنه يدرك أن المصالح الأمنية الإسرائيلية تؤثر على المصالح الأمنية للولايات المتحدة". وأضاف أن أوباما "قريب جدا من موقف إسرائيل بشأن استراتيجية مشتركة من أجل منع إيران من الحصول على سلاح نووي وإنشاء خطوات مانعة بوسائل دبلوماسية وإذا احتاج الأمر بواسطة عملية عسكرية أيضا".
وتابع أنه خلال السنوات الأربع المقبلة ستواصل الإدارة الأميركية "العمل الصعب لأن نجاح الهدف هو أمر هام، وأعتقد أن الرئيس حارب دائما من أجل القناعات الأميركية في البيت وأيضا في خارجه وفي ما وراء البحر، وهذا يشمل الوقوف إلى جانب حلفائنا وضمان أمنهم، ويشمل السعي إلى علاقات سلام وتوسيع دائرة الدول الديمقراطية أينما نستطيع، وهذه هي القيم التي نحارب من أجلها وسنواصل الحرب من أجل تحقيقها".
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، في أول تعقيب لمسؤول إسرائيلي رفيع المستوى على فوز أوباما، إنه "لا شك في أن إدارة أوباما ستستمر في سياستها التي يقف في صلبها دعم أمن إسرائيل وبذل جهد لمواجهة تحديات تضعها المنطقة أمامنا جميعا ومن خلال السعي للتقدم في العملية السياسية، وسيكون بالإمكان التغلب على الخلاف في المواقف إذا كانت هناك (خلافات) كهذه".
من جانبه ادعى السفير الإسرائيلي في واشنطن، مايكل أورن، أن "العلاقات بين نتنياهو والرئيس أوباما جيدة للغاية"، وأن "العلاقات القريبة بينهما ستستمر"، علما أن تقارير إسرائيلية أكدت خلال الشهور الأخيرة توتر العلاقات بين الاثنين وحتى أنها وصلت أحيانا إلى حد انقطاع الاتصالات بينهما لفترات طويلة نسبيا.
وأضاف أورن "لا أتوقع حدوث أي تغيير في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة خلال ولاية أوباما الثانية... والتحالف بيننا سيستمر".
وهنأت رئيسة حزب العمل الإسرائيلي، شيلي يحيموفيتش، أوباما، وقالت في رسالة وجهتها إليه "إن فوزك يعكس إنجازاتك في ولايتك الأولى، ولدي تقدير كبير لسعيك إلى تغيير المجتمع الأميركي والأجندة والقيم التي تدفعها، والتي تتوافق مع أفكاري وهي المساواة والاقتصاد العادل ومسؤولية الدولة تجاه مواطنيها".
وقالت يحيموفيتش للقناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي إن "أوباما هو رئيس جيد لإسرائيل، وقد قاد العقوبات ضد إيران وساعد إسرائيل في الأمم المتحدة، ولا شك في أن الحلف بين إسرائيل والولايات المتحدة سيستمر".
وفي ردها على سؤال حول ما إذا كانت تتوقع مساعدة من جانب إدارة أوباما في الانتخابات العامة الإسرائيلية على خلفية توتر العلاقات بين أوباما ونتنياهو، قالت يحيموفيتش إنها عارضت أي تدخل إسرائيلي في الانتخابات الأميركية، وتعارض أي تدخل أميركي في الانتخابات الإسرائيلية.
"الإسرائيليون سيدفعون ثمن رهان نتنياهو"
وجه معظم المحللين الإسرائيليين انتقادات شديدة إلى نتنياهو بسبب موقفه من الانتخابات الأميركية، ودعمه لرومني.
وأشارت محللة الشؤون الحزبية في "يديعوت أحرونوت"، سيما كدمون، إلى أن نتنياهو تلقى ضربتين أمس هما فوز أوباما، وفوز رئيس مجلس المستوطنات السابق ومدير مكتبه السابق، نفتالي بينيت، برئاسة حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف. وقالت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن خلافا حادا نشب بين بينيت وزوجة رئيس الحكومة سارة نتنياهو.
وأضافت كدمون "لكن على الأقل انتخاب أوباما، الذي على ما يبدو توقعه الجميع باستثناء نتنياهو، كان بإمكانه أن يكون اقل ألما بكثير، وبالأساس أقل ضررا لإسرائيل، لو أن رئيس الحكومة تصرف بشكل مختلف. تخيلوا لو أنه بدلا من المبادرة إلى مواجهة صاخبة، زائدة وبلا هدف في الموضوع الإيراني، امتدح نتنياهو علنا ما يمكن مدحه في سياسة إدارة أوباما ضد إيران، واحتج بهدوء، داخل الغرف المغلقة، على ما لم يتم فعله، وليس العكس".
ولفتت المحللة إلى أن "سياسة إسرائيل الخارجية وعلاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة ليست ملكا شخصيا لرئيس الحكومة، وإنما هي ذخر وجودي بالنسبة لدولة إسرائيل. وكل من يقامر بها إنما يقوم بعمل لا ينبغي القيام به".
ورأت كدمون أن "من يعتقد أن أداء نتنياهو لن يؤثر على علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل، عليه أن يعيد التفكير. لأن كل الخبراء في هذه العلاقات، حسبما قالت جهات مختلفة هذا الأسبوع، يعرفون جيدا ما هي نوعية الانتقام الأميركي. وهو ليس مثل الانتقام التركي، ولا ينفجر فجأة، وليس فظا، وإنما يزحف ببطء من خلال سلسلة أحداث صغيرة تتراكم لتصبح شرخا كبيرا، مثل عرقلة ميزانيات، إلغاء تدريبات طيارين فجأة، تأخير إرسال قطع غيار (لآليات عسكرية)، وعرقلة صفقات لأسباب كأنها تتعلق بالأمن القومي".
لكن كدمون شددت على أن "الالتزام الأميركي بأمن إسرائيل واستمرار وجودها لن يتغير إزاء كل ما يتعلق بالمخاطر التي تهدد وجودها. والولايات المتحدة لن تأخذ إسرائيل رهينة بسبب أفعال نتنياهو في كل ما يتعلق بوجود إسرائيل. لكن في كل ما عدا ذلك سيكون التعامل باردا، وسندفع ثمن رهان نتنياهو" على رومني.
من جانبه كتب المحلل السياسي في "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، أن نتنياهو راهن على الحصان غير الصحيح، "وقد سجل الناخبون الإسرائيليون أمامهم هذا الإخفاق". لكن برنياع اعتبر أن بالإمكان طمأنة نتنياهو لأن "أوباما ليس مبنيا للقيام بحملات انتقام ضد رؤساء حكومات في الجانب الثاني من الكرة الأرضية. فهذه ليست طبيعته، وهذا ليس سلم أولوياته. لكن التعامل بفتور هو من طباعه، وفي أفضل الأحوال سيسارع إلى الرد على أي اتصال هاتفي من إسرائيل. ونتنياهو سيضطر منذ الآن إلى الاعتياد على التحدث أكثر مع السفير دان شابيرو" وليس عقد لقاءات مع أوباما.
وأشار برنياع إلى أن "السؤال الأكبر، في سياقنا، هو كيف سترد إيران على فوز أوباما وكيف سيرد أوباما على رد إيران؟. ويقول السيناريو المتفائل إن العقوبات ناجحة. وانتخاب أوباما سيقنع الإيرانيين بأنه لا خيار أمامهم سوى وقف المشروع (النووي). ويوجد، طبعا، سيناريو أقل تفاؤلا. والسؤال مفتوح، فهل سيأمر أوباما بشن عملية عسكرية أو يدعم عملية عسكرية إسرائيلية (ضد إيران)؟. القرار بيده. لكن لن يكون بإمكان نتنياهو أن يدفع مرشحا جمهوريا إلى مهاجمة أوباما، ولا حتى إلى مهاجمة اليهود في نزل المسنين في فلوريدا، فلقد انتهت هذه القصة".
الصورة معقدة
غير أن المحلل ايلي أفيدار رأى، في مقال نشره في صحيفة "معاريف"، أن "ثمة من يدعون أن الولاية الثانية للرؤساء (الأميركيين) تكون متحررة من الضغوط، ولذلك يتوقع أن يقود أوباما أجندة أكثر قوة، ويتم التعبير عنها من خلال ممارسة ضغط شديد على إسرائيل... لكن أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، من الذين لا يزال مستقبلهم أمامهم، لن ينتحروا من أجل الرئيس. ونائب الرئيس، جو بايدن، ألمح بنفسه إلى أنه معني بترشيح نفسه للرئاسة في العام 2016. وبايدن هو صديق لإسرائيل وعلى الأرجح سيحافظ على مصالحنا الحيوية".
كذلك أشار المحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هارئيل، إلى أنه "رغم أن أوباما فشل في تحريك مفاوضات السلام الإسرائيلية - الفلسطينية مباشرة بعد انتخابه رئيسا في المرة الأولى، وتأخر في استيعاب معاني الهزة في العالم العربي قبل سنتين، إلا أنه لم "يلق بإسرائيل تحت عجلات الحافلة" أبدا. وكان الرئيس الأميركي الأول الذي دعم الخط المعلن الصارم ضد إيران بعقوبات قاسية أكثر، وهو الذي ساهم في إرساء المساعدات الأمنية لإسرائيل أكثر من جميع الرؤساء الذي سبقوه".
واستبعد هارئيل أن "ينتقم" أوباما من نتنياهو. وكتب أن "الفرضية القائلة بأن خصومة شخصية ستملي اتجاهات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط تستوجب إثباتا ميدانيا على أرض الواقع. وفيما يتعلق بإيران، فإن تحالف المصالح بين أميركا وإسرائيل أكبر وأهم من علاقات أوباما ونتنياهو. بينما في كل ما يتعلق باستئناف عملية السلام مع الفلسطينيين، يتعين انتظار أن نرى ما إذا كان أوباما، الذي فشل بذلك في الجولة الأولى، سيسارع ويخاطر بفشل آخر. فإيران والحرب الأهلية في سورية والعلاقات الشائكة بين الولايات المتحدة وبين روسيا والصين، تبدو جميعًا الآن مواضيع خارجية ملحة أكثر مطروحة على جدول أعمال الرئيس الأميركي الجديد - القديم".