من الواضح أن تراكم المديونية الشخصية على الموظفين العموميين وتأخر صرف الرواتب وبروز عبارة (لا يوجد أفق بخصوص الراتب الآن) تركت آثارها العميقة السلبية على مكونات المجتمع الفلسطيني من النواحي الاقتصادية بصورة انعكست على الوضع التجاري والقطاع المصرفي، وبصورة مست معنوياً بمكانة الموظف العمومي بشكل عام.
تناول الموضوع من قبل الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء مع الإعلاميين والكتاب الصحافيين مسألة ليست وليدة اللحظة ولا محاولة لاختراع تقليد لم يكن قائماً بل هو استمرار لسلسلة لقاءات سابقة، لكن ما ميز هذا اللقاء، الذي جرى أول من أمس، انه كان أكثر وضوحاً رغم ما حمله من ألم وتأثر، ولكنه أظهر كل مكونات النظام السياسي الفلسطيني أنها لا حول لها ولا قوة.
من الواضح رقمياً أننا نحتاج إلى 300 مليون دولار شهرياً منها 125 مليون دولار تأتي من عوائد الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالحنا وتم قرصنتها والتصرف بها، وبعض المساعدات التي تأتي من مصادر أخرى تغطي الاحتياجات، و50 مليون دولار عوائد وإيرادات تتم جبايتها، لم يتبق لدينا هذا الشهر إلا الـ 50 مليون دولار.
تشخيص الواقع لا يعني القبول به ولا الاستكانة له من قبلنا نحن جمهور المواطنين، ولكننا لم نكن نرغب أن نصل إلى هذه النقطة مالياً والتي حتماً ستقود وتصل إلى مرحلة شلل لا إرادي في السوق الفلسطيني وشلل في العمل الحكومي الرسمي ليس بغرض الإضراب أو الاحتجاج بقدر ما هو تعبير عن عدم قدرة على الوصول إلى أماكن العمل لعدم توفر أجور المواصلات وعدم توفر التموين اللازم في المنزل والخطر المحدق بالموظفين ذوي العدادات مسبقة الدفع في الكهرباء والمياه في بعض قرى غرب جنين والأمر متواصل في بعض قرى نابلس.
عملياً حديث الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء اشعرنا، وهو ما ندركه تماماً، أن الرجل ترك مرة أخرى يقلع شوكه بيده حين لم تنجز شبكة الأمان المالي العربية، وحين تمت قرصنة أموالنا من قبل إسرائيل والتصرف بها للمرة الأولى، وهذا لا يعني من بعيد أو قريب غمزاً لا سمح الله من قناة السيد الرئيس محمود عباس، ولكنها غمز من قناة حركة فتح وبقية فصائل العمل الوطني الذين انشغلوا بانطلاقاتهم وتبادل إحياء الانطلاقات كمؤشر على المصالحة هنا وهناك.
اقتصادياً يجب أن نؤشر لمسائل أساسية في هذا اللقاء الذي جمع الإعلاميين والكتاب الصحافيين برئيس الوزراء الدكتور سلام فياض:
أولاً: إن حملة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية مسألة واجبة النفاذ على المستوى الحكومي منذ زمن طويل لكن التوقيت قبل ذلك لعله لم يكن مناسباً بالنسبة للمستوى الرسمي، اليوم يجب أن تنطلق وزارات الاختصاص وجمعية حماية المستهلك الفلسطيني واتحاد الغرف التجارية الفلسطينية معاً لوضع ملامح السياسة للعمل في نطاق توجيهات رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية لجعلها أمراً ممكناً، وأن لا نقع في شرك تفاصيل القرار الحكومي بمنح الأفضلية للمنتجات الفلسطينية في العطاءات الحكومية والمشتريات الحكومية لأن لوائح تنفيذية لم تصدر لجعله ممكناً.
ثانياً: إن الدعوة التي أطلقها رئيس الوزراء بالتصرف بممتلكات عامة فلسطينية بيعاً أو رهناً وهي أساساً موجودة لدى منظمة التحرير الفلسطينية أو صندوق الاستثمار الفلسطيني أمر يستحق التفكير به ولكن مع مراعاة أن تقدر بقيمتها الحقيقة وليس أقل من ذلك ولدينا تجربة سابقة بالبيع لحصة في كبرى الشركات في فلسطين ولم تقدر حق قدرها.
ثالثاً: إن خطوات رمزية يجب أن تتخذ على المستوى الحكومي تترك آثاراً ومؤشرات إيجابية على المواطن الفلسطيني من خلال ترشيد السفر والأنفاق على السفر وخفض المصاريف النثرية في الوزارات بصورة تعكس مظهراً إيجابياً لدى المواطنين، ومن الطبيعي أن يكون هناك استثناء عملياً للسيد الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الخارجية، وما تبقى هي أمور بالإمكان تأجيلها أو إلغاء التزامات بشأنها وهذا ينسحب على الفصائل والقوى السياسية التي تشرب من ذات النبع الذي يغذي رواتب الموظفين العموميين.
رابعاً: يجب أن تجرى مراجعة جدية لآليات تعامل القطاع المصرفي والتسهيلات المصرفية وضرورة توجيه عناية البنوك إلى تنشيط أوجه الإقراض والتسهيلات لبند المشاريع الصغيرة والمشاريع الكبيرة التي ترغب بالتوسع خصوصاً أن برنامجاً بهذا الخصوص متوفر لدى البنوك من جهات أوروبية، لماذا يبرز جانب القروض الاستهلاكية الترفيهية على حساب تلك القروض.
لقاء الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء لم يكن الأحد الماضي كباقي اللقاءات التي عقدت مع الإعلاميين والكتاب الصحافيين لأنه بدا هذه المرة أكثر تحديداً في توجيه رسائله وعتبه وتوضيحاته، ولكنه نجح في مسعاه ولو مبدئياً لنقل الكرة في الأضرار الاقتصادية إلى الملعب الإسرائيلي في الوقت الذي يمس فيه بلقمة عيش شعبنا ولا تجدي نفعاً تدخلات المجتمع الدولي التي وصفت بأنها ليست كافية وغير ناجعة.
وما بعد الخروج من الأزمة أو زيادتها عمقاً لنا حديث آخر قد يبدو أكثر قسوة ليس من باب جلد الذات اقتصادياً ولكن من باب التقييم وتحميل كل جهة المسؤولية التي يجب أن تتحملها.
رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني