يحضر بقوة هذه الأيام فلسطينياً موضوع (الجبهة الداخلية)، وهذا الحضور ليس من باب الموضة أو الصرعة أو النقل دون تصرف، بل بات ضرورة قصوى في ضوء الأحوال الجوية التي مرت بها دولة فلسطين والأضرار التي وقعت في المساكن والبنية التحتية والزراعة والمنشآت التجارية والصناعية، وهذا لا يقلل من شغفنا للمطر ورغبتنا أن نشرب بكرامة بعد أن سرق الاحتلال واستيطانه مصادرنا المائية وأعاد بيعها لنا، وما انعم الله علينا من أمطار حسن منسوب المياه الجوفية، فالشكر والحمد لله دائما ونسأل الله أن تبقى أمطارنا سقيا خير.
وعندما نطرح ان (الجبهة الداخلية) تحضر نعني بوضوح انها غائبة تماما فلسطينيا أسوة بالدول المتقدمة التي تمنح تركيزها على هذه الجبهة وتجير كل الامكانيات لصالحها، ولا تترك هذه الجبهة لتحليلات اعلامية ورؤى على مواقع التواصل الاجتماعي تقودها صوب اشاعات واضعاف نفسي لها.
في المفهوم هناك العديد من الوظائف لهذه الجبهة كالتعليم العام والإرشاد للتأهب لحالات الطوارئ والكوارث وإدارتها، وتمارس وظيفة البحث وفرق الإنقاذ الأولى، وباستعداد تام لحالات الطوارئ والكوارث.
عمليا اعلنت الجهات المتخصصة في الارصاد الجوية الرسمية وغير الرسمية عن منخفض جوي عاصف وتساقط ثلوج ونقطة وسطر جديد، لكن مقومات (الجبهة الداخلية) لم تكن حاضرة ضمن خطاب اعلامي ارشادي يوضح الخطورة المحتملة بناء على توقعات الارصاد الجوية، ولم يرافقها رفع للجاهزية في التعاطي مع مخالفات البناء وتعديها على حرم الطرق واعتدائها على عبارات تصريف المياه بحيث يتم تغير مسارها على مسؤولية من بنى، ومعالجة قضايا القاء مخلفات البناء في مجاري الوديان والاعتداء على حرم الوديان، وهذا ليس أمرا آنيا ولا طارئا بل هو عمل دؤوب على مدار ايام العام لرفع الجاهزية وكفاءة التعاطي مع الكوارث والطوارئ.
(الجبهة الداخلية) كل متكامل ما قبل وقوع الكارثة والطوارئ وما بعد من حيث معالجة الاضرار واصلاحها، بالتالي يجب أن يكون هناك رفع للجاهزية ما قبل من حيث تحقيق الاستعدادات الكافية بصورة تقلل الاضرار، وما قبل ذلك يجب انفاذ القانون بحق من يسبب اعتداء يساهم في زيادة حجم الاضرار بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذه الصلاحية يجب أن تكون بيد المحافظين وهيئات الحكم المحلي التي يجب أن تكون مسؤولة ضمن حدود صلاحياتها المكانية بالتعاون مع المحافظين الذين يجب أن يتحركوا بانفاذ القانون، وهناك حالات تم ضبطها لكنها بقيت ظاهرة مقلقة في الاعتداءات التي تسبب اضرارا على ارض الواقع.
(الجبهة الداخلية) ما بعد وخلال حصر الاضرار والقيام بعمليات الاصلاح، لا يجوز رفع سقف التوقعات لدى المواطنين وهيئات الحكم المحلي بصورة تدفعهم لرفع تقديرات حجم الاضرار بصورة تغطي الاحتياجات القائمة في إطار هيئة الحكم المحلي تلك ضمن طلبات في إطار الاضرار، خصوصا أن الغالبية تعتبرها جمعة مشمشية، بالتالي ما نطلب سيلبى فنضرب عصفورين بحجر نحقق الاحتياجات الحاضرة بقوة ونعالج الاضرار.
تلك الثقافة يجب أن تتغير من خلال تفعيل التعاطي مع ( الجبهة الداخلية ) ووضع معايير واضحة لحصر الاضرار ووضع معايير واضحة لآليات التعويض، ووضع معايير للاولويات، هل القطاع الزراعي أم البنية التحتية أم المنشآت التجارية والصناعية أم الايواء، ويجب أن يكون لكل خيار مبرراته ومعاييره الواضحة.
(الجبهة الداخلية) يجب أن يكون هناك خطاب اعلامي واضح المعالم خلال وقوع الاضرار، إذ ليس من أدوار الإعلام نقل الصورة وكأن (مزارا) يقوم الجميع بزيارته والتقاط الصور بجانبه، الاعلام يجب أن يحول خطابه باتجاه التعاطي بمسؤولية عالية مع الكوارث والطوارئ والاضرار من خلال التوعية والتوجيه وإحضار الخبراء الذين بامكانهم توجيه رسالة اعلامية واضحة ارشادية توعوية تقلل الاضرار والمخاطر.
عمليا وواقعيا كان الاعلام في التعامل مع الجبهة الداخلية خلال المنخفض الجوي والاجواء العاصفة اسيرا لرؤية (المحافظ) ولرؤية رئيس البلدية أو المجلس القروي الاقوى حضورا، وبالتالي كان الخطاب الاعلامي يمر من قناة المحافظ ورؤيته، وهذا الخطاب وآلية التعاطي مع الجبهة الداخلية في حالات الطوارئ لا يأتي صدفة أو بكبسة زر في هذه المؤسسة الاعلامية أو تلك، بل يكون ضمن مخطط متكامل منهجي وعلمي يوصل رسائل واضحة المعالم، وأن لا يظل الامر تعاملا مع كل وضع بمعطياته.
في آليات التعاطي مع ( الجبهة الداخلية ) يتطلب هذا الأمر تحقيق عوامل تقوية وتصليب تلك الجبهة في حالة الطوارئ والكوارث من خلال دفع رواتب الموظفين الحكوميين ليتسنى لهم تحقيق عوامل الصمود لهم وليس تركهم في مهب الريح، وتوفير مستلزمات الايواء الممنهج للعائلات التي تضررت منازلهم خصوصا الذين يقطنون بيوتا في مجرى الواد أو قرب الاضرار أو الذين يقطنون خياما أو بيوت الزينكو.
في التعاطي مع ( الجبهة الداخلية ) خصوصا بعد حصر الاضرار وتقديم التعويضات وهنا يصبح من الضرورة بمكان مركزة العمل في هذا المجال خصوصا من خلال المنظمات الاهلية والمؤسسات الدولية غير الحكومية وغيرها بحيث لا تصبح الامور غير مضبوطة خصوصا أن جهات متعددة ستدخل في هذا المجال.
يجب أن نكون منصفين لمشهد كان حاضراً بقوة في موضوع ( الملف الداخلي ) يعبر عن الجاهزية العالية لبعض الجهات التي عكست نفسها بقوة ولا نعمم، إذ حضرت جاهزية شركات الكهرباء ( وقد يكون هناك انقطاع هنا وهناك) ولكن لم تقع كارثة ادت لانقطاع الكهرباء على مدار اسبوع كامل كما حدث في دول أخرى مثلا، وكانت هناك جاهزية عالية لدى بعض البلديات الكبرى التي بادرت للتعامل مع الاضرار والطوارئ والكوارث، ولكن كان كما قلت سابقا بالامكان افضل مما كان من خلال غرفة عمليات مركزية لإدارة العملية برمتها تتبعها غرفة عمليات فرعية تلتزم بتعليماتها للتعاطي مع الجبهة الداخلية.
ونبقى على تواصل مع ( الجبهة الداخلية ) في هذا الشتاء ونتواصل في موسم الصيف وما قد يقع فيه من كوارث ايضا.
الجبهة الداخلية في حالات الكوارث يجب أن تكون ذات أولوية
بقلم: صلاح هنية