أثقل كاهل الطبقة الوسطى والعروض المقدمة لا تشمل ذوي الدخل المحدود
* 75 ٪ من ثمن الشقة فائدة للبنك وربح للمستثمر! *نصف الراغبين في امتلاك وحدات سكنية لا يستطيعون تلبية شروط العروض المقدمة *فائدة قروض الاسكان الأعلى في المنطقة وعروض «تأجر وتملك» قد تعيد المالك إلى مستأجر بعد سنين من التسديد
حياة وسوق - ايهم ابو غوش - حلم المواطن الفلسطيني بامتلاك بيت العمر يصطدم بواقع فرضه رأس المال، فالمستثمرون والبنوك يطرحون حملات ترفع شعارات براقة لاستهداف فئات ذوي الدخل المحدود لامتلاك سكن، لكنها في حقيقة الأمر ليست سوى فاتح للشهية للمقتدرين أو قل لذوي الدخل المتوسط المرتفع، وما على من يقرر الالتحاق باحدى هذه الحملات إلا أن يستعد ليطوق رقبته بقيود الالتزامات البنكية، ثم يرهن مصير عائلته لسنين طويلة، وان يستعد للعبة الأرقام: أنت باختصار ستعيد ثمن الشقة مضاعفا!
آراء المواطنين متباينة
"إنهم لا يتركون لك كثيرا من الخيارات، فأنت أمام حلين، إما أن تعيش على أمل امتلاك بيت ولو بعد سنين طويلة وإن كنت تدفع فوائد عالية، أو أن تبقى تعيش بالأجرة المرتفعة أصلا، والتي ترهق بدورها ميزانية الأسرة".. ويقول عادل ابراهيم (35 عاما) وهو موظف في أحد الدوائر الحكومية، والذي اشترى شقة في رام الله، إن رأس المال هو من يتحكم بخيارات متوسطي ومحدودي الدخل بخصوص التوجه لامتلاك بيت، مشيرا إلى أنه يفضل دفع ثمن الشقة مرتين وأن تصبح بعد 20 عاما ملكا له ولأبنائه على أن يبقى يدفع أجرة طوال عمره. ويقر عادل بأن هذا الخيار جعل مصير أسرته معلقا تحت رحمة البنك 20 عاما وهي مغامرة لا يعرف عقباها في بلد يعاني من تقلبات اقتصادية وسياسية متسارعة.
عادل ليس إلا واحدا من الجيل الشاب الذي بدأ يبحث عن بيت له، فلا يجد سوى خيار اللجوء إلى البنك أو الرهن العقاري بحيث يقترض ثمن الشقة ويقوم بجدولة حياته على أقساط لسد القرض على فترة تمتد لـ10 -25 سنة وذلك حسب الدخل الشهري للأسرة على أن يترتب عليه فوائد تصل في مجملها إلى حد يجعله يسد ثمن الشقة مضاعفا. بدوره، يقول بلال الكسواني (33) عاما، إنه فضل طريقة أخرى للهروب من الفوائد البنكية بأن اتفق مع مقاول بتوفير دفعة أولى من ثمن الشقة ومن ثم تقسيط الباقي بشيكات مؤجلة تصل لنحو 5 سنين، مشيرا إلى أن القسط الواحد يصل الى نحو ألفي دولار، وهو ما يرى بأنه خيار غير متاح لغالبية الأسر التي لا تستطيع توفير الدفعة الأولى أو قسطا شهريا بهذه القيمة. غير أن محمد راضي، وهو موظف لا يتجاوز راتبه الـ 2500 شيقل، لا يفكر بالمطلق في الحصول على قرض لأغراض السكن، لأن قيمة راتبه لا تلبي الشروط اللازمة لتسديد الفاتورة الشهرية للقرض.
سياق تاريخي
انتشار أراضي المشاع وقلة الأراضي المسجلة في الطابو دفع الشباب الذين يتزوجون حديثا للسكن مع أهاليهم أو بناء طوابق علوية، كما يقول عيسى قسيس الرئيس التنفيذي لشركة فلسطين لتمويل الرهن العقاري. ويشير إلى أن نحو 82 ٪ من السكان يملكون العقار الذي يسكنونه، بينما فقط 18 ٪ من السكان يعيشون في بيوت مستأجرة، أي بمعنى أن ثقافة الاستئجار غير منتشرة في فلسطين. ويعلل قسيس ذلك بقوله إن الفلسطينيين يخشون دائما على المستقبل في ظل عدم وضوح الرؤية المستقبلية.
ويلفت قسيس إلى أن عدم الوضوح المستقبلي يدفع الفلسطينيين إلى العمل بثقافة التوفير على حساب الادخار، وهذا يتضح من ارتفاع نسبة الودائع لدى البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية وهذا ما يشجع على البناء.
مع تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية انشئت شركة فلسطين لتمويل الرهن العقاري التي شجعت البنوك لمنح قروض في مجال الاسكان، ثم جاءت انتفاضة الأقصى وعادت الناس لمخاوفها بشأن المستقبل.
ومع استمرار النمو السكاني الطبيعي ظهرت الحاجة لبناء شقق سكنية، تلبي احتياجات الأجيال الجديدة، وبدأ القطاع الخاص يستثمر في البناء ما أدى لزيادة أسعار الأراضي والعقارات خاصة في مناطق (أ) التابعة أمنيا وإداريا للسلطة الفلسطينية.
ومع الارتفاع المستمر في أسعار الأراضي والعقارات ومحدودية الأراضي داخل المدن، بدأت تطفو على السطح ظاهرة بناء اسكانات الضواحي ومدينة نموذجية جديدة "روابي".
650 مليون دولار قروض سكنية
تظهر البيانات الصادرة عن سلطة النقد أن عدد القروض البنكية الممنوحة لأغراض السكن حتى نهاية العام 2013 وصلت إلى 13200 قرض بلغت قيمتها 650 مليون دولار، ويبلغ متوسط فترة سداد قرض السكن 14 سنة بينما تبلغ اقصى فترة سداد 25 سنة.
سماح عسيلي من منتدى فلسطين العقاري / الراصد الاقتصادي ترى أن هذه الآلية تضع المقترض أمام ضغوطات متصاعدة، قائلة: "حوصر المواطن بقروض لمدة 20 عاما وبأسعار فوائد عالية"، مشيرة إلى أن المقترض يعيش دوما تحت ضغط، والقروض تطوق حياته وتجعله رهينة للبنك طوال هذه السنوات"، وأن أسعار الشقق في رام الله وغيرها مبالغ فيه ولا تلبي احتياجات ذوي الدخل المحدود ولا حتى متوسطي الدخل.
وتضيف العسيلي: "المشكلة ليست في العرض والطلب، ما هو معروض لا يناسب متوسطي الدخل"، مشيرة إلى وجود العديد من مشاريع الاسكان التي تعرض أسعارا مبالغا فيها حيث قد يصل ثمن الشقة الواحدة إلى 200 ألف دولار"، مشيرة إلى أن فئة قليلة هي فقط من تستطيع تملك مثل هذه البيوت وعن طريق الاقتراض.
وترى العسيلي أن الأسعار لا تتواءم وكلفة البناء، وأن ربح المستثمر في بعض المناطق مبالغ فيه.
بدوره يؤكد قسيس ان هناك طلبا متزايدا على الشقق السكنية، مقرا في الوقت ذاته بوجود فجوة بين العرض والطلب، مبينا أن المطورين في الفترة الماضية كانوا يميلون إلى بناء شقق في مناطق أسعار الأرض المقامة عليها غالية وتحديدا في مناطق (أ) ومساحات الشقق واسعة وبتشطيبات عالية، ما جعل أسعار الشقق مرتفعة ولا تلبي احتياجات كافة الفئات.
ويؤكد أن القطاع الخاص بدأ خلال السنوات الأخيرة في البحث عن طرق لتخفيض سعر الأرض بزيادة العرض وبخلق مساحات أراض للبناء وهذا ما أدى إلى حركة بناء خارج المدن مثل الضواحي ومدينة روابي، داعيا متوسطي الدخل وذوي الدخل المحدود إلى البحث عن شقق تلبي الغرض في هذه الأماكن وبأسعار أقل وعدم الالتفات إلى الشقق ذات المساحات الكبيرة والمواصفات العالية والأسعار الكبيرة.
50 ٪ من الأسر لا تستطيع توفير متطلبات الحصول على قرض
تظهر بيانات الجهاز المركزي للاحصاء أن نحو 16 ألف شخص يعبرون سنويا عن رغبتهم في امتلاك بيت جديد في الأراضي الفلسطينية، غير أن نصف هؤلاء لا يستطيعون تلبية الشروط اللازم توفيرها للحصول على البيت وفق عروض الاسكان المتوفرة، ما يعني أن العروض السكنية المتوفرة في الأراضي الفلسطينية تستثني مسبقا نصف الراغبين في امتلاك بيت. ويقر عيسى قسيس الرئيس التنفيذي لشركة فلسطين لتمويل الرهن العقاري بوجود فجوة بين العرض والطلب، مشيرا إلى أن هناك فرقا بين من يرغب في امتلاك بيت وبين من يستطيع توفير الشروط اللازمة لامتلاكه. ويبين أن دراسات خاصة بالشركة بنيت على احصائيات الجهاز المركزي للاحصاء أظهرت وجود حاجة لتوفير 7 -8 آلاف شقة سنويا للمقتدرين بينما تصل الحاجة الفعلية إلى نحو 16 ألف شقة سنويا.
ولكن لماذا لا يستهدف القطاع الخاص ذوي الدخل المحدود؟
يجيب على ذلك الدكتور سمير عبد الله مدير البحوث في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني- ماس، الذي يوضح ان دورة استعادة رأس المال ستطول وستفقد جدواها لو تم استهداف هذه الفئة، لأن عدد سنوات تقسيط القرض ستزيد وقيمة الدفعة الشهرية ستقل، وبالتالي لا يستطيع المستثمر ان يصبر أكثر من 25 سنة (الحد الاقصى لتسديد قرض السكن) لاستعادة رأس ماله وتحقيق الأرباح. ويضيف: "هناك مخاطر سياسية واقتصادية كلها تدفع المطور للقيام بمشاريع يستعيد بها رأس المال بأقل عدد من السنوات". ويوضح ذلك قسيس بقوله إنه عندما انشئت السلطة، حاول القطاع الخاص ان يبدأ بمنح قروض لذوي الرواتب المتدنية لكن ذلك لم يكن متاحا لأن امكانيات صاحب الراتب المتدني لن تسمح له بتسديد القرض في الفترة الزمنية اللازمة، ما اضطر إلى تغيير شروط القرض لتشمل الدخل الاجمالي للأسرة.
العروض ليست لذوي الدخل المحدود
تظهر البيانات الصادرة عن سلطة النقد ان متوسط دخل الحاصل على قرض السكن 1900 دولار، مع الإشارة إلى أن البنوك تعتمد دخل الأسرة، وحسب الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للاحصاء فإن معدل الأجر اليومي في الأراضي الفلسطينية يصل الى 91 شيقلا وذلك حسب احصائية صادرة عن الربع الثاني من عام 2012، ما يعني ان متوسط الأجور الشهرية في فلسطين 2275 شيقلا فقط، الأمر الذي يعني بالضرورة أن متوسط دخل الأسرة (رب الأسرة وزوجته) سيصل الى نحو 4600 شيقل بالمتوسط الأمر الذي يؤكد أن من يتقاضون رواتب تعادل متوسط الأجر في فلسطين لن يكونوا قادرين على الحصول على قرض سكني، لأن أهم شروط الحصول على القرض هو ان تكون قيمة القسط الشهري لا تتجاوز 40 ٪ من الدخل الكلي للأسرة.
ويؤكد الدكتور سمير عبد الله مدير البحوث في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني-ماس أن ما هو معروض من وحدات سكنية من قبل القطاع الخاص لا ينسجم واحتياجات ذوي الدخل المحدود أو حتى متوسطي الدخل، بل يوائم احتياجات وقدرات متوسطي الدخل المرتفع وتحديدا الفئة التي تتقاضى راتبا شهريا لا يقل عن 5 آلاف شيقل.
تفاوت في الأسعار بين رام الله ونابلس والخليل
هناك عدة عوامل تلعب دورا في تحديد سعر أي شقة، لعل أبرزها سعر الأرض، والمساحة المسموح بالبناء عليها وعدد الطوابق، وكلفة المواد الأساسية للبناء، بالإضافة لجودة التشطيب.
وإذا كان سعر الأرض عاملا متغيرا في هذه العملية باختلاف منطقة وأخرى، فإن العوامل الأخرى ايضا متغيرة، فمثلا بخصوص مساحة الأرض المسموح للبناء عليها ستجد في رام الله مساحة البناء المسموح بها هي 42 ٪ من دونم الأرض بينما تصل النسبة في نابلس إلى 50 ٪، وكذلك فإن عدد الطوابق المسموح بالبناء بها في نابلس أكثر من رام الله.
"حياة وسوق" استعان بثلاثة مكاتب هندسية في ثلاث مدن هي: شركة العميد الهندسية - نابلس، ومكتب اتحاد المستشارين – الخليل، ومكتب سفاريني للاستشارات الهندسية - رام الله، بالإضافة إلى خبير هندسي مختص من رام الله هو المهندس عمار شلهوب. وحتى لا نضع القارئ في دهاليز لعبة الأرقام فإننا سنورد بعض النقاط التي قد تشكل إضاءة للقارئ:
- بشكل عام فإن سعر دونم الأرض في مدينتي نابلس والخليل يتراوح بين 150-220 ألف دولار، وفي رام الله يبدأ سعر الدونم من 200 ألف دولار وقد يصل الى 700 ألف دولار.
- سعر المتر المشطب في نابلس والخليل لن يتجاوز 900 دولار بأي حال بينما يصل سعر تشطيب المتر في رام الله الى 1100 دولار.
- اذا كلف متر البناء في نابلس نحو 180 دينارا فإنه سيكلف في رام الله 220 دينارا نظرا لفارق الأسعار بين المدينتين ومعدل الأجور وقيمة الأرض.
- سعر شقة مشطبة في نابلس والخليل مساحتها 120 مترا مربعا يقدر سعرها 80-90 ألف دولار، بينما تصل في رام الله 110-120 ألف دولار.
- بالمحصلة سعر الشقة في رام الله أغلى من مثيلتها في الخليل ونابلس بنحو 30 ٪.
- ربح المستثمر من ثمن الشقة يتراوح 30-45 ٪ وذلك حسب امكانية المقاول إن كان يستورد مباشرة وبكميات كبيرة أم لا وحسب جودة التشطيب.
ثلاث أرباع ثمن الشقة فائدة للبنك وربح للمستثمر
حسب سلطة النقد فإن متوسط سعر الفائدة على قرض السكن يتراوح بين 4 ٪ - 5.5 ٪.
ويقول عفيف اسعيد- وكيل مساعد وزارة الأشغال العامة والإسكان إن أبرز ما حققته الوزارة خلال السنوات الأخيرة أنها نجحت في الضغط لتخفيض سعر الفائدة بعد ان وصلت في سنوات سابقة إلى نحو 8 ٪.
ويرى اسعيد ان الوزارة بالتعاون مع الشركاء أقرت سياسة وطنية للاسكان في فلسطين وهي قريبة من الحصول على مصادقة الرئيس عليها، وستأخذ في الاعتبار تنظيم كل ما يتعلق بقطاع الاسكان سواء سعر الفائدة البنكية ودور الحكومة في تنظيم القطاع وتحديد العلاقة مع المطورين، ودراسة القروض البنكية لتصبح شاملة لفئات الأقل حظا، بالإضافة إلى تحديد الأسعار وأماكن السكن ونسب ربح معقولة.
ولكن إلى أن يتم تنظيم هذا القطاع وفق السياسة الوطنية للاسكان التي تعلن عنها الوزارة، فإن الحقيقة الماثلة ان المواطن الذي يشتري شقة من خلال قرض سيدفع ثلاثة ارباع ثمنها فوائد وقروضا، حيث يبدو سعر الفائدة خداعا للوهلة الاولى، فعندنا نتحدث عن سعر فائدة 5 ٪ فهذه نسبة سنوية وليست على كامل مبلغ القرض، فمثلا شقة سعرها 100 ألف دولار سيددها المقترض بعد 17 عاما 160 ألف دولار، ولو افترضنا أن سعر ربح المقاول من الشقة هو 40 ألف دولار فهذا يعني أن الكلفة الحقيقية للشقة هو 60 ألف دولار بينما سيسددها للبنك 160 ألف دولار ما يعني انه دفع ثلاثة ارباعها فوائد وارباحا.
ويؤكد د. عبد الله أن سعر الفوائد البنكية في فلسطين عموما تبقى هي الأعلى في المنطقة في ظل غياب بنك مركزي يتحكم بسعر الفائدة وفق معايير تشجع الاستثمار.
من جهته، يقول قسيس "إذا كان الراغب في امتلاك السكن يمتلك المبلغ المطلوب لماذا يتحمل أسعار الفوائد؟، مقرا أن الحاجة من شأنها دفع غير المقتدرين الى شراء البيت عن طريق قرض سكني. ويضيف: "صحيح ان المقترض يدفع فوائد لكنه بعد عشرين سنة سيكون قد وفر بيتا كما أن الفوائد التي دفعها قد لا تعني الكثير أمام تضخم أسعار العقارات بعد الانتهاء من سداد القرض".
دعم الاسكان الاجتماعي
لجأت دول عدة إلى اقامة مشاريع اسكانية تستهدف الفئات المهمشة وذوي الدخل المحدود، بحيث يمنح محدودو الدخل شققا وبأقساط شهرية ميسرة على أن يتم تجميع ما يدفعه من أجرة ليسدد به ثمن الشقة ثم يصبح مالكا لها بعد الانتهاء من تسديد كامل ثمنها.. هذه المهمة يرى الكثير من المراقبين بأنها تقع على كاهل القطاع العام وليست من مسؤوليات القطاع الخاص.
وحول ذلك يقول اسعيد: "مهمة الحكومة هي الاهتمام بالفئات المهمشة وليس ذوي الدخل المحدود" مشيرا إلى إنشاء الوزارة مشروعين واحد في قلقيلية وآخر في نابلس يضمان وحدات سكنية لفئات مهمشة، منوها إلى أن إنشاء مثل هكذا مشاريع يعتمد على امكانيات الدولة.
ويضيف: "مسؤولية وزارة الأشغال هي مساعدة المواطن على ايجاد دخل مناسب"، منوها إلى ان السياسة الوطنية للاسكان المرفوعة للمصادقة عليها من قبل الرئيس محمود عباس تأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف في قطاع الاسكان وأولها المواطن، كما أنها تدخل أنماطا جديدة في عمليات شراء المساكن.
"تأجر وتملك"
بعض عروض الاسكان المقدمة، تطرح على المقترض أن يدفع ما مقداره أجرة ايجار شهرية مقابل أن يتملك الشقة بعد أن يستوفي من ايجارها كامل ثمنها، لكن هذه العروض تتضمن بندا يقتضي أنه لو تعثر المقترض لسبب أو لآخر عن سداد الدفعة الشهرية فإنه يحق للجهة المقترضة أن تعيد استملاك البيت بينما يعود المواطن مستأجرا ولو بعد سنوات طويلة من التسديد.
حول ذلك يقول اسعيد: "هذه العروض موجودة على نطاق ضيق، وعندما يصبح هناك قانون ينظم قطاع الاسكان، سيكون المواطن محميا، وستخرج هذه العقود من كونها بين طرفين لتكون عقودا موحدة يحكمها القانون".
روابي
يعتقد قسيس أن الضواحي السكنية الجديدة خارج المدن وتحديدا مدينة روابي يمكن أن تشكل بديلا عن ارتفاع الأسعار في مدينة رام الله، قائلا إن سعر الشقة في روابي قد يصل الى نصف سعرها في رام الله، عدا عن توفر كامل الخدمات النموذجية في روابي من توصيل للغاز والمطبخ بالإضافة الى المرافق الأخرى.
من جهته، يوضح بشار المصري المدير التنفيذي لشركة بيتي للاستثمار العقاري المالكة لمشروع روابي إن أسعار الشقق في روابي تختلف حسب مساحتها، وموقعها، وتشطيباتها الداخلية والتي تسلم كاملة من كافة التشطيبات، حيث تبلغ أسعار الشقق التي تبلغ مساحتها بين 92م² – 227م² والتي تشكل 90 ٪ من عدد الشقق 60,000 دولار ولغاية 140,000 ألف دولار، أما باقي الشقق الأكبر نسبيا والتي قد تصل إلى 340م² فتختلف أسعارها بناء على موقعها واطلالتها.
ويؤكد المصري أن مدينة روابي تقدم وحدات سكنية مميزة وبأنماط ومساحات وميزات متعددة، بحيث تتناسب والدخل الشهري لشريحة واسعة من المجتمع من جهة، وتلبي مختلف الأذواق والاحتياجات للعائلات الفلسطينية من جهة أخرى، كما تم التنسيق مع العديد من البنوك وشركة الرهن العقاري لإيجاد برامج تمويلية ميسرة تستهدف شرائح دخل اضافية.
أما بالنسبة لاقامة مشاريع سكنية لذوي الدخل المحدود، فيرى المصري أنه لا بد من دعم القطاع العام، وذلك لتمكين هذه الفئة من شراء وحدات سكنية ملائمة، وعن طريق ايجاد برامج تمويلية خاصة من شأنها تقليل الدفعة الأولى اللازمة كشرط أساسي لشراء الوحدات السكنية.
ويشير المصري إلى أن أسعار الشقق في مدينة روابي أقل من أسعار الشقق بمدينة رام الله بما نسبته من 25- 35 ٪، منوها إلى أن الشقق في المدينة ذات امتيازات اضافية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، شبكة الغاز المركزية، وشبكة الألياف الضوئية والتي ستوفر خدمات نوعية لكل شقة بشكل أكثر تطورا وتوفيرا، كما أن جميع شقق المدينة يتم تسليمها بكامل تشطيباتها والتي يتم اختيارها من قبل المالكين، دون الحاجة إلى أي سيولة اضافية أو تمويل مستقبلي لاستكمال تشطيبات المنزل بعد شرائه حتى من التشطيبات التي تعتبر غالبا في سوقنا المحلية من مسؤولية المشتري وتركيبها مثل خزائن المطابخ، وأصابع التدفئة والبويلر، والأباجورات الكهربائية، وغيرها العديد.
دعوة الحكومة للقيام بدورها
يؤكد المصري أن إنشاء مشاريع سكنية لذوي الدخل المحدود هي مسؤولية مشتركة بين القطاعين العام والخاص، ولكن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الجهات الحكومية، حيث تقع عليها مسؤولية تطوير سياسة الاستثمار بشكل عام، وسن قوانين لتشجيع الاستثمار في القطاع العقاري تكون فاعلة وموجهة في هذا المجال بشكل خاص، تضمن تقليل المخاطر وتشجيع المستثمرين والمطورين لإقامة مشاريع اسكانية لهذه الشريحة، وكذلك مواصلة المبادرات من المجتمع الدولي والتي تهدف الى توفير المواد الأساسية اللازمة كالمياه والطاقة اضافة الى مواد البناء والتي تخضع لسياسات الجانب الاسرائيلي بالكميات اللازمة وبأسعار معقولة.
ويضيف: "من خلال تجربتنا في بناء مدينة روابي على سبيل المثال، لا تزال مشكلة تأمين مصادر مياه دائمة وصعوبة استصدار التصاريح اللازمة لها تشكل تحديا كبيرا أدى الى تأجيل انتقال سكان المرحلة الأولى، على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت من خلال الوسائل التقنية المتاحة، والقنوات السياسية والدبلوماسية، والتكاليف الاضافية من ميزانية المشروع، اضافة الى تحدي توفير الطرق اللازمة للمدينة، هي نفس التحديات التي يجب أن تتضافر كافة الجهود الحكومية والدولية للعمل على حلها، حتى يكون القطاع الخاص قادرا على الاستمرار في الاستثمار في هذا القطاع الحيوي القادر على دعم الاقتصاد".
ودعا الجهات الحكومية إلى أن تؤدي دورا كبيرا في التنسيق مع الجهات الممولة وتوجيهها لهذا القطاع بشكل يضمن المساهمة في حل مشكلة الاسكان لذوي الدخل المحدود، وتوفير المشاريع الاسكانية اللازمة لتلبية احتياجات هذه الفئة، ومساعدة المؤسسات التمويلية في برامجها الموجهة لها من حيث تحسين شروط التسليف ودعمها، والتنسيق مع القطاع الخاص وتوجيهه، وإشراك مؤسسات المجتمع المحلي.
يبدو ان حديث قسيس والمصري عن أن الأسعار في روابي أقل من رام الله صحيح في ظاهره، لكن عندما تحلل الأرقام ستجد غير ذلك، فقسيس الذي يضرب أمثلة عن أسعار شقق في رام الله تصل الى 200 ألف دولار ربعها ثمن الأرض، فستجد عند تطبيق معادلة الأرض ان سعر الشقة في روابي يماثل نظيره في رام الله، فعلى سبيل المثال لو كان سعر شقة بمساحة 120 مترا مربعا هو 10 آلاف وطرحنا ربع ثمن الشقة وهو حصة الشقة من سعر الأرض فإن سعرها سيكون 80 ألف دولار، ولو سعر شقة بنفس المساحة في روابي يصل 90 ألف دولار وطرحت سعر حصة الشقة من الأرض سيصل سعرها كذلك الى 80 ألف دلار أي ان سعر الشقتين متساو.
ويؤكد الخبير عمار شلهوب: "حسب اعتقادي فإن شركة مسار اشترت دونم الأرض لبناء مدينة روابي بـ (تراب المصاري) حيب بلغ سعر شراء الدونم 5-7 آلاف دولار وهذا يجعل كلفة البناء أقل بكثير مما هي عليه في رام الله".
لكن المهندس مروان عبد السلام من شركة العميد الهندسية يرى أنه ينبغي إضافة 50 دولارا على سعر بناء المتر المربع الواحد في بعض المساكن الحديثة كروابي والريحان نظرا لوجود مصاريف فنية وادارية إضافية تتعلق بالمشروع، مقرا بأن المواصفات الفنية في هذه المدينة أو الضواحي الجديدة عالية المستوى، وهو ما لم تتفق معه سماح عسيلي من منتدى فلسطين العقاري/ الراصد الاقتصادي بقولها: "أسعار الشقق في الضواحي الجديدة وفي روابي مبالغ فيها"، مضيفة أن بعد روابي عن مدينة رام الله يزيد من كلفة المواصلات على الساكنين فيها وهذا يوجب ضرورة تخفيض الأسعار فيها لا أن تكون قريبة من أسعار الشقق في رام الله.
مصادر موثوقة اطلعت "حياة وسوق" على بعض المعلومات التي تدفع باتجاه تخفيض أسعار الشقق في روابي لعل أبرزها أن المدينة معفاة من الضرائب كما أن الشركة القائمة عليها تستورد المواد الخام بشكل مباشر وهو ما يخفض التكلفة ويستوجب أن تكون أسعار الشقق أقل مما هي عليه الآن لكن ما يحسب للقائمين على المدينة أنهم ينشئون بنية تحتية وشبكة داخلية متطورة.
الضواحي.. هل شكلت بديلا لذوي الدخل المحدود؟
يؤكد د. محمد شاهين مسؤول وحدة الشكاوى والبحوث في لجنة حماية المستهلك في محافظة رام الله والبيرة ان ما يتم طرحه من اسكانات في ضواحي المدينة مثل الريحان والاتحاد وغيرها لا تلبي احتياجات ذوي الدخل المحدود، مشيرا إلى أن أسعار الشقق في هذه الضواحي تماثل نظيرتها في رام الله والبيرة.
وأضاف: "ليست من مهمة صندوق الاستثمار مثلا الدخول في منافسة مع تجار العقارات، بل يجب أن يكون مساهما في بناء اسكانات لذوي الدخل المحدود"، مؤكدا ان صندوق الاستثمار يجب أن يتوجه لاقامة مشاريع لذوي الدخل المحدود بأقل الأسعار وتمكنهم من التسديد بطريقة ميسرة.
ونوه إلى أن "اسكانات الضواحي ما هي الا اسكانات تحتوي على شقق لا يستطيع شراءها الا أصحاب الدخول المرتفعة". ويؤكد شاهين أن مهمة انشاء وحدات سكنية لذوي الدخل المحدود تقع على كاهل الحكومة التي تقف عاجزة أمام هذه الأمر، منوها إلى أن الحكومة يجب أن تولي اقامة مساكن لذوي الدخل المحدود بالتعاون مع جهات عربية وصديقة لأن الأمر يتعلق بتثبيت المواطن الفلسطيني على أرضه والحد من الهجرة، مستغربا أن يتم دعم المستوطنين باسكانات بأسعار مخفضة في وقت لا تتوفر للفلسطيني امكانية الدعم والصمود.
من جهته، يرى المهندس خالد الفارس من شركة الفارس والنبالي للعقارات أن أسعار الشقق في الضواحي بالمؤكد لا تتناسب مع ذوي الدخل المحدود لأنها في الغالب يصل سعرها الى مستويات أعلى من الشقق في مدينة رام الله والبيرة.
ويتفق المهندس مروان عبد السلام المدير العام لشركة العميد الهندسية مع ما ذهب اليه الفارس بتأكيده أن أسعار الشقق في الضواحي كالريحان أغلى من رام الله أو تضاهي، مذكرا بأن كلفة بناء المتر المربع الواحد في هذه الضواحي أغلى بـ50 دولارا من أي بناء سكني في رام الله نظرا لوجود مصاريف فنية وإدارية.
غير أن منيف طريش الرئيس التنفيذي لمجموعة عمار العقارية لمشروع الريحان بالقرب من رام الله، رفض بشدة فكرة أن أسعار الشقق في الضواحي أغلى منها في رام الله، قائلا: "إن أسعار الشقق في ضاحية الريحان تراوحت بين 65 ألف دولار (بمساحة 100 متر مربع) لغاية 120 ألف دولار (170 مترا مربعا) فيما سعر شقة بنفس المساحة في رام الله بـ 170 ألف دولار".
وأضاف: "بالتأكيد أسعار الشقق لدينا أقل من رام الله، خاصة أن ثمن الأراضي منخفض مقارنة مع رام الله، كما أننا بنينا عددا كبيرا من الشقق وهذا يقلل علينا التكلفة"، مشيرا إلى أن الشقق السكنية في ضاحيتي الريحان برام الله والجنان بجنين المملوكتين لشركة عقار بنيتا وفق معايير سكن عالية الجودة.
وحول الرأي القائل إن اسكانات الضواحي لا تلبي احتياجات ذوي الدخل المحدود، قال طريش: "كل الشقق في ضاحية الريحان بيعت وبأسعار مناسبة، وهذا يدل على وجود رغبة بالشراء"، مشيرا إلى أن مجموعة عقار بصدد البدء بتنفيذ المرحلة الثالثة من مشروح ضاحية الريحان، مبينا أن هذه المرحلة ستستهدف الفئات الأقل دخلا ليتراوح سعر الشقة بين 80-85 ألف دولار، ويكون قيمة القسط الشهري 340 دولارا وفترة تسديد تصل لـ25 عاما.
----------
*هذا التحقيق ينشر بالتعاون مع انترنيوز في إطار دورة تدريبية مختصة في الصحافة الاقتصادية