الرئيسية » الاخبار »   06 أيار 2014  طباعة الصفحة

سوق حر ام سوق مر؟

 


مطاعم ومقاهٍ ومحالٍ تجارية وشركات وأفراد وحرفيون يفرضون مجتمعين على اقتصادنا الصغير والمحاصر أسعارهم الفلكية كما يشاءون بحجة واحدة هي أنهم يعملون في سوقٍ حرٍ قائمٍ على العرض والطلب.. إذا أعجبك اشتريت وإن لم يعجبك فهذا شأنك.
أغذية ولحوم ومشروبات وخدمات ومنتجات بأسعارٍ تفوق حدود المنطق والمقبول والمعقول. ولو أنك اخترت مراجعة أصحاب الشأن في المؤسسة العامة لواجهتك نفس الحجة: سوق حر.
سوق حر يتفوق على طوكيو ولندن وأوسلو وموسكو؟ سوق حر يستوفي كامل مستحقاته بما فيها المستحقات القسرية للشماعة الدائمة ألا وهي الاحتلال ويعود ويسلخ جلد الشاري والمشتري بأسعارٍ خارج حدود الخيال؟
مشروبات سعر الكأس فيها يزيد عن سعر ثلاثين كيلوغراماً من الفاكهة ذاتها التي استخرج منها المشروب؟ أكلات شعبية تباع أطباقها بسعر أطباق اللحوم؟ شقق سكنية تباع بسعرٍ يفوق خمسين بالمئة سعرها الحقيقي؟ مكاتب ومواقع تؤجر بخمسة أضعاف تصنيفها السوقي؟ فنادق تعمل مطاعمها بأسعارٍ تفوق تصنيفها السياحي بضعفين؟ فنجانٌ للقهوة يباع بضعفي ثمنه في الشانزيليزيه والبيكاديلي؟ كل هذا وذاك تحت مسمى ماذا؟ نعم.. سوق حر!
سوقٌ يزدهر في ظل غياب الرقيب والحسيب.. سوقٌ ينتعش فيه أمراء المال ممن استفادوا من صمت المغلوبين على أمرهم والمتقاعسين في عملهم والنائمين على مسؤولياتهم.
فنجانٌ للقهوة في رام الله يتجاوز في سعره حاجز الدولارات الخمسة ويقترب من حاجز الأربعة جنيهات البريطانية وما يزيد عن أربعة من اليوروهات!! كيف؟ سوق حر؟! أم سوق مر؟
لا عجب إذاً بأن تكون الحياة مرة للكثير من الشباب ممن لا حول ولا قوة ولا مال كافياً لديهم لمواجهة جشع بعض الأمراء الذي فضلوا جيوبهم على أهلهم ومجتمعهم مهللين مطبلين مزمرين للسوق الحر!
بعض ممن يقرأ هذا المقال لا بد من أن يقول في قرارة ذاته: إذا كنت أنت الشاكي، فماذا نقول نحن؟ الجشع والطمع والمغالاة لا تعجب أياً منّا بغض النظر عن موقعه وماله وقد اخترت أن أكتب هذا المقال حتى أعبّر عن صوت من لا صوت لهم في حربهم على الأسعار الجنونية المرتبطة بمكونات حياتهم.
السوق الحر لا يعني تجنب الرقابة ولا يعني الحصانة ضد المغالاة في الاسعار ولا الإعفاء من حق الناس في تثبيت تلك الأسعار وتحديدها ونشرها. السوق الحر ليس منصة للمحاباة والابتزاز وسرقة الناس وابتلاع أموالها بحجج واهية بل هو ما وجب أن يكون نتاجاً لمجتمعٍ حرٍ يمتلك مساحة أكبر من الحرية والخيار والحماية.
سوق مر لمجتمعٍ حر سيجعل ذلك المجتمع كله مراً .. وسوق حر لمجتمعٍ حر سيجعل ذلك المجتمع كله صامداً.. فلا نامت أعين الجشعين وأمراء المال من المغالين والمتّغولين!
[email protected]

 


بقلم: د. صبري صيدم