صدر تقرير إعلامي في الصحافة الاسرائيلية يتعاطى مع رسالة ماجستير قدمت ونوقشت في جامعة القدس حول حجم الاستثمارات الفلسطينية في المستوطنات والاقتصاد الإسرائيلي، وقامت الدنيا ولم تقعد وأشبع الموضوع نقاشاً لفظياً ....
وحتى أسجل للأمانة والتاريخ فالشيء بالشيء يذكر هذا ما حدث تماماً عندما صدر تقرير إعلامي يتحدث عن استخدام مادة الشيفارو في المخابز الفلسطينية قبل سبعة أشهر، هذا قبل صدور قرار ملزم بمنع استخدامها.
الذهنية الفلسطينية فوراً تتعاطى مع الأمور بالطريقة التقليدية المعهودة ولا جديد تحت الشمس، فوراً نذهب صوب الإنكار المطلق وغض الطرف عن التعاطي مع تقرير إعلامي ونترك الأمور تقوم ولا تقعد من حولنا، ومن ثم نقفز صوب تتفيه (من تفه الأمر قلل من شأنه) رسالة الماجستير وعدم اتباعها الأسلوب العلمي في البحث، ومن ثم ننتفض لنقول إن الموضوع سوء فهم.
وتذهب الذهنية الفلسطينية إلى أبعد من ذلك باتجاه الحديث عن حساسية الموقف عربياً وإسلامياً بالتالي نظهر جراء إشاعة ودراسة منقوصة بهذا المظهر، ولماذا يختفي هذا التخوف طوال الأيام بانتظار تقرير إعلامي هنا وهناك.
تلك السيناريوهات جاهزة دائماً في الذهنية الفلسطينية على قاعدة القص واللصق سريعاً وفي كل الأحوال والأوضاع.
بالمقابل فإن ذات الذهنية الفلسطينية تقف في الصف المقابل وتتعاطى مع الأمور كلها بذات المسطرة وذات المقياس وذات العبارات.
في الوطن اليوم مطلوب الوقوف بمسؤولية وأمانة تاريخية أمام مسألة الاستثمار في المستوطنات والاقتصاد الإسرائيلي بغض النظر عن حجم هذه الظاهرة، وهل هي استثمار قائم على علاقة تجارية فقط بلغت 4 مليارات دولار سنوياً حجم الشراء من إسرائيل سنوياً لصالح السوق الفلسطينية، وهل هي عبارة عن أعمال بناء ومقاولات، حتى لا ندخل في حكاية من أتى أولاً الدجاجة أم البيضة ومن ثم نضيع في متاهات لا طائل لنا بها.
المسؤولية الوطنية والتاريخية المطلوبة من الحكومة الفلسطينية برئاسة الدكتور سلام فياض عموماً ومن وزارة الاقتصاد الوطني بشكل خاص تتمثل بما يلي:
أخذ رسالة الماجستير واستنتاجاتها على محمل الجد وعدم اللجوء لوضع تقييم جديد للرسالة وكأن اللجنة العلمية المشرفة لا تتقن عملها ونحن فقط الذين نتقن عملنا.
التعاطي مع الموضوع بموضوعية متناهية وعدم اللجوء إلى الإنكار أو اللجوء إلى التقليل من حجم الظاهرة.
يجب تشكيل لجنة متخصصة، وليس لجنة فض مجالس، يقودها النائب العام ويتمثل فيها اتحاد نقابات عمال فلسطين الذي يعرف جيداً حجم وواقع الظاهرة.
يجب ألا تعطي الحكومة بالاً لأي تعليقات هدفها سياسي ومس بجوهر أداء الحكومة ككل، وأساس هذا الأمر عدم الاستخفاف من قبل الحكومة بالظاهرة.
يجب ألا تكتفي الحكومة في جلستها القادمة بالاستماع لتقرير من هذا الوزير أو ذاك حول المسألة وبالتالي كيل التهم للرسالة والجامعة والقفز صوب قضايا فرعية.
أتمنى على الله في الذكرى السابعة لرحيل القائد الرمز ياسر عرفات أن تتبع مدرسته في التعاطي مع مثل هذه الأزمات وأذكر يوماً أنه فض اجتماعاً لمجلس الوزراء في غزة يوم كان يترأسه وأرسل وفداً وزارياً إلى منطقة عرب الجهالين قرب مستوطنة معاليه ادوميم ليقفوا على واقعهم ومطالبهم، يومها توجه ستة وزراء وأربعة أعضاء لجنة تنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وموظفون كبار من وزارات الاختصاص وكانوا في موقع الحدث ليتابعوا ويخرجوا بتوصية ميدانية يصادق عليها الرئيس الراحل ياسر عرفات من المنتدى في غزة.
المطلوب إعادة الاعتبار للرقم الاحصائي الفلسطيني وكون الدكتور سلام فياض يترأس المجلس الاستشاري للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن يكون مصدراً آخر للمعلومة حول هذا الأمر.
لا أريد أن أدخل في تفاصيل فنية إجرائية بقدر تركيزي على جوهر الموضوع وعدم إضاعته حيث يخاف العديد من المواطنين من ضياعه كما ضيع غيره من المواضيع الكبيرة والمهمة.
يجب ألا نخفي الشمس بالغربال، يجب ألا نتوانى عن تحميل المسؤول مسؤوليته الكاملة، يجب أن نعترف مرة أن قصوراً قد وقع حتى نقوم من جديد ونتعافى تماماً، ولا مجال إلا مواجهة الوقائع بشجاعة مهما كان حجمها وقد يثبت انها ليست بهذه الخطورة ولكن التعاطي العلمي المنطقي معها يتطلب مهنية عالية وليس ردة فعل عاطفية وتجييشاً لأنصار افتراضيين لهذا المعسكر الذي يهب لينكر ويهاجم من أعلن.
ولو كنت مكان الباحث الذي لا يبحث عن نجومية بالتأكيد لأنه طالب علم لا أعرفه ولم ألتقه حتى لو دعي مستقبلاً ليكرم على جرأته أن يرفض تلك الدعوة بغض النظر عن الداعي بعد أن تُفِّه بحثه وطال البلل اللجنة العلمية المشرفة على تقييم الرسالة وطال الجامعة ذاتها.
خارج النص:
لكل فعل رد فعل مساوٍ له بالمقدار ومخالف له بالاتجاه إلا في هذا الوطن الحبيب فكل شيء خلف خلاف، الموضوع استثمارات في المستوطنات، الموضوع أغذية فاسدة، الموضوع اسطوانات غاز غير مطابقة لمعايير السلامة العامة، ردة الفعل توجه ضد أي مؤسسة من صميم اختصاصها معالجة أو المساهمة في معالجة الخلل في التعاطي مع قضايا اقتصادية وقضايا تهم المستهلك الفلسطيني، وتقدس كل من يقع في خانة النفي والإنكار وتغطية الشمس بالغربال.
النوايا الحسنة وحدها لا تكفي ..... بقلم: صلاح هنية