عندما تذكر الأغوار الشمالية والوسطى يترافق معها سلة غذاء فلسطين ومنطقة حدودية حيوية وتأمين عوامل الصمود وخطة تنموية خاصة بالأغوار كمنطقة تطوير (أ)، وعندما تذهب صوب الأغوار تصاب بالذهول من حجم ما يواجهك من واقع وألم.
هناك في الأغوار تلمس حجم الفجوة بين النظرية وإعلان النوايا وبين الواقع، بحيث تظن أن هذه المناطق خارج التغطية وخارج خطة التنمية الوطنية، فالموارد المائية قد نهبت من قبل الاحتلال، والأرض تقضم قطعة قطعة، والوصول إلى الأراضي الزراعية صعب، عدا عن مظاهر تشغيل المستوطنات أيدي عاملة فلسطينية لاستثمار الأرض المصادرة والمنهوبة من أصحابها الشرعيين.
في الأغوار تلمس مدى جمال الطبيعة وروعة المنظر ولكن على قاعدة (شم ولا تذوق)، فالمكان جميل ولكنه مستغل بالكامل زراعياً واستثمارياً من قبل المستوطنات والاحتلال مع تنكر كامل لمجموع القرى والمضارب البدوية في تلك المنطقة ضمن سلسلة إجراءات تحجب إمكانيات التنمية عن هذه المنطقة.
فلسطينياً أمثالي كثر يقولون ذات القول يجب أن يكون هناك خطة تنمية للأغوار على قاعدة أنها منطقة استثمار حيوية، ويجب أن تحتوي هذه الخطة محاور تتعلق بالبنية التحتية والقطاع الزراعي والطاقة والتعليم والمياه، هذه الخطة يجب ألا تكون مزركشة وملونة وملحقة بقرص مضغوط يحوي عروضاً مخرجة بطريقة فنية رائعة.
أن تتمحور توجهاتنا فلسطينياً باتجاه أن الأغوار هي الحدود الأردنية الفلسطينية في ظل الدولة الفلسطينية، وبالتالي يجب أن يكون محركنا هو تثبيت صمود المواطنين هناك ومنحهم مقومات الصمود على الأرض، والتحرك باتجاه جذب استثمارات للأغوار من فلسطينيين في الوطن وخارجه، ويجب أن نهيئ لهم البنية التحتية ومقومات نجاح المشروع، وأن يكون معروفاً أن حجم المخاطرة كبير ولكننا لا نتعامل مع مشاريع أو موقع عادي.
اليوم بات ضرورياً أن تركز الحكومة الفلسطينية على تنمية الأغوار ومنحها أولوية كبرى وأن تتضمن الخطة برنامجاً تنفيذياً من قبل وزارة الزراعة والاقتصاد الوطني، وأن يمارس القطاع الخاص دوراً حيوياً في الزراعة والاستثمار الصناعي والنقل، وهذا لا يقلل من أهمية دور شركة الاتصالات الفلسطينية في توفير خطوط ثابتة أرضية في الأغوار خصوصاً أن عقد الشركة ينص على تغطية كل الأماكن جغرافياً في منطقة الامتياز.
واقع الأمر أننا تواجدنا في الأغوار الشمالية خصوصاً في عين البيضا لإحياء أسبوع المستهلك الفلسطيني بالشراكة بين جمعية حماية المستهلك والغرفة التجارية الصناعية الزراعية في طوباس والأغوار الشمالية والمجالس في قرى الأغوار الشمالية، وجرى التفاعل مع الطلبة وأولياء الأمور ووجهاء المنطقة، واستمعنا للمشاكل والتطلعات والوضع الراهن وإمكانية تجاوزه باتجاه التنمية الشاملة قصيرة وطويلة الأمد، ولمسنا حال المزارع الفلسطيني التي يعاني من المضاربات الأمر الذي يؤدي لخفض أسعار الخضار التي يزرعونها، إضافة إلى شح الموارد المائية المنهوبة ومصادرة الأراضي، وممارسات الاحتلال عبر حواجزه ودورياته.
دعونا نفتح صفحة جديدة في التعاطي مع الأغوار بصورة مختلفة جذرياً عن السابق وبرؤية ثاقبة ودون الحديث عن ميزانية طوارئ بل المطلوب ميزانيات مخصصة فقط للأغوار، دعونا ندعو المجلس التنسيقي لمؤسسات القطاع الخاص ليضع تصوراً متكاملاً للاستثمار في الأغوار بعيداً عن تكرار يافطة (الحوار الوطني مع الحكومة ) بعيداً عن (مستحقاتنا لدى الحكومة) بعيداً عن (لتبدأ الحكومة، لنلحقها)، ودعونا ندعو مؤسسات المجتمع المدني لدور أكثر فاعلية في الأغوار أوسع من رصد الانتهاكات ومعايير حقوق الإنسان.