اتُخذ قرار بأن يظل المواطن الفلسطيني متلقيا سلبيا غير فاعل غير مشارك غير مؤثر، وبدأ ذلك على المستوى السياسي وانسحب ذلك على المستوى الاقتصادي والخدمي والثقافي، المسألة ان المواطن ومن ثم المجتمع يجب ان يكون متلقيا وغير منتج على المستوى الصناعي والزراعي ومن ثم غير منتج على المستوى الثقافي والحضاري والتكنولوجي، يجب ان تشتري منتجات وسلعا حضارية ولكنك لا تمتلك القدرة على انتاجها ولا صيانتها ولا حسن تركيبها.
وصار المواطن في فلسطين متلقيا لتبريرات وحجج ولا يتلقى اجابة عن سؤاله ولا شكواه ولا تذمراته، هو متلق للنظام التعليمي واعداد عدته للعام الدراسي القادم من قرطاسية ويذهب لمدرسته ويعود منها منتظرا اليوم الذي يصل فيه للثانوية العامة ليرى ماذا سيفعل بنفسه، هو شخص متلق لما يبث له في وسائل الاعلام ومواقع الانترنت ولا يناقش ولا يحاور، هو مواطن تمر الامور امامه بشكل طبيعي، تدمير موسم البطيخ في فلسطين، توقعات بارتفاع اسعار زيت الزيتون احتمالات تدمير موسم التمور ولا تجد هناك جهة اختصاص تحدث تغييرا بل عليه ان يؤقلم وضعه مع ما هو قائم.
المواطن في فلسطين متلق لخدمات البنوك والمصارف بينما يلتقي مع مواطن فلسطيني يعيش في مناطق 1948 فيسمع عن حقوق له في قطاع البنوك لا يعرفها ولا يعيشها ولا يتمكن من الحصول عليها. المواطن متلق لرفع رسوم جمع النفايات في نطاق بلديته التي انتخبها وتفاعل معها في خطتها واستراتيجيتها ولكن ليس مطلوبا منه ان يناقش هذا الملف.
هناك من يقرر نيابة عن المواطن دون ان يحتكم لمعايير العدالة الاجتماعية والمساواة، بل أن كثيرا من الخبراء الدوليين الذي تلتقيهم وهم يعدون تقريرا بشأن من شؤون حياتك يفتحون لك افاقا ورؤى عن تجارب عالمية متنوعة ولكن تقريرهم يظل محكوما بمحددات يحكمها الواقع وكأن الاحتلال باق الى الابد وكأن ضياع سيطرتنا على 67% من المناطق المصنفة (ج) ابدية، وكأن مصادرنا المائية ستظل منهوبة، وكأن إمكانية وصولنا إلى غزة ووصول غزة إلينا قدر، وكأن التهريب وتزوير السلع قدر محتوم، وكأن التهرب الضريبي فن من فنون الحياة العصرية.
في الوطن، الحقيقة الوحيدة الحاضرة بقوة (لا نستطيع) (وكأنك لا تعيش في البلد) لا نستطيع ان نحسن شروط الحياة في قرية فلسطينية قادها قدرها ان تكون قرب جدار الفصل والعزل والضم، لا نستطيع ان نحسن شروط حياة قرية قدرها ان تسكب عليها مياه مجاري المستوطنات، لا نستطيع ان نحسن شروط حياة قرية حرمت من مخرج لها وتدور السبع دورات بحثا عن مخرج ورابط يربطها بمدينتها الاصلية.
(لا نستطيع)، (شكلك جاي جمع شمل على الوطن) لا نستطيع ان نستمر دون وجود المنتجات الإسرائيلية في متجرنا، لا نستطيع ان نستمر دون علاقة اقتصادية طبيعية مع شركة هنا ومستثمر هناك إسرائيليين.
ويترافق مع شعار وممارسة (لا نستطيع) خفض طبيعي لسقف الطموحات وسقف التوقعات وتفسير سلبي (للصبر) وتفسير سلبي (للصمود والتحدي) وتفسير سلبي لمفهوم صناعة القرار القائم على تحدي الوضع القائم باتجاه الذهاب صوب واقع افضل، وبالتالي بات مجنونا من يفتتح خط انتاج جديدا في مصنعه، وبات غير محق من يسعى لتشييد مشفى فلسطيني تخصصي يستقطب اطباء فلسطينيين من العالم ليجمع خبراتهم هنا بدخل اقل من بقية العالم وبخدمات توازي المستوى الطبي العالمي، بات مستهجنا ان بروفيسورا جامعيا مصر على البقاء في حرم جامعته يصنع فرقا ويشجع البحث العلمي ويعد ورقة موقف تكون مفيدة في ترشيد صناعة القرار، فمثله بات في موقع اهم وايسر واهم اجتماعيا خارج الحرم الجامعي، بات المؤمن بالتغيير مغامرا لا يشفق على نفسه جراء المعاناة التي يواجهها لأنه بالامكان سلوك طريق اسهل عنوانها (حقا نحن لا نستطيع والخيارات محدودة وحط راسك بين هالروس وقول ياقطاع الروس).
يترافق مع شعار وممارسة (لا نستطيع) (وكأني بك آت جمع شمل على البلد) استصغار لشأن من يحتج على ازمة معبر الكرامة وتعدد المحطات فيه، استصغار لشأن من يهتم بالمحتوى الثقافي لم يعرض ويبث امام المواطن الفلسطيني، استصغار شأن من يفرح لنجاح مبادرة زراعية فلسطينية تواجه بمنافسة غير عادلة من محاصيل الزراعة الإسرائيلية، استصغار شأن من لا يجتهد ليضع في جيبه تصريح (صفر صفر)، معقول انت من هنا، استصغار شأن من يذهب لانجاز معاملة ولا يذهب خلف الكاونتر ولا يذهب للمسؤول الاول صديق الدراسة وصديق العمل الوطني لأنه يؤمن ان بقاءه مع الناس يمكن ان يكون اسهل، استصغار شأن من يقول الحمد لله انا بخير وكيف لا ينضم إلى ربع البكائيات لعله يزيد حصته مما هو غير موجود اصلا.
يترافق مع شعار وممارسة (لا نستطيع) يعني (حضرتك المهم تكون مدبر امورك والباقي الله سبحانه وتعالى يدبر لهم شأنهم).
خاتمة القول، المجتمع الفلسطيني بحاجة لقوى الضغط والتأثير ذات المحتوى الديمقراطي وذات البعد الوطني بعيدا عن اليأس، اناس اتخذوا لانفسهم هذا الدور وهم جزء اصيل من المشكلة ولن يكونوا جزءا من الحل، قوى ضغط وتأثير واعية قادرة ان تستوعب العوائق ونقاط الضعف ولكنها تضع نصب عينيها شعار (نمتلك حلما) (نعم نستطيع) وما دون ذلك سنظل ندور في ذات فلك (الى اين نحن ذاهبون).
[email protected]