الرئيسية » الاخبار »   08 آب 2015  طباعة الصفحة

تقدير موقف استهلاكي صلاح هنية

 20 تموز 2015

بعد مضي خمسة وأربعين يوماً من العمل المتواصل من قبل جمعية حماية المستهلك ما قبل رمضان وخلال شهر رمضان، في مساعٍ حثيثة لكبح جماح الأسعار وجهود مارثونية لترقيع ما يمكن ترقيعه في واقع السوق الفلسطيني، وانعكاسات السياسات المالية والاقتصادية على المواطن الغلبان وتوابع بروتوكول باريس الاقتصادي، وفقدان القدرة على تنفيذ وعود وأحلام وردية بالاستيراد المباشر وتنمية الصناعة الفلسطينية، والتركيز على رفع قدرات التاجر الفلسطيني، نستطيع بكل بساطة تقديم مجموعة من الاستخلاصات.
لم تعد هناك علاقة طبيعية تنطلق من منطلق وطني أو منطلق اجتماعي أو من منطلقات العمل التجاري المتعارف عليه عالمياً وفلسطينياً بين التاجر والمستهلك، بل بات جوهر الأمر أن التاجر هو الآمر الناهي المتحكم برقاب العباد، وعلى المستهلك أن ينصاع صاغراً وكأنه وقع صك عبوديته لهذا التاجر أو ذاك، عليه أن ينصاع لنسبة الربح الفاحش التي يحددها التاجر، عليه أن ينصاع لتعليمات مورد رئيسي أو مالك مسلخ دواجن أو مالك تجارة العجول بالجملة، وهم غير معروفين ولكن يتم إصدار تعليماتهم للناس بشكل خفي عبر التجار الذين يتذرعون بهم.
غياب أي تطبيق حقيقي لآليات ضمان الأمن الاقتصادي والأمن الغذائي وللمرة الأولى في تاريخ حياتي أقول وبالفم الملآن: (فالتة بقرار صدر عن جهات متحالفة من ذوي المال والسياسة والمدعين أنهم مستثمرون من جلودنا)، وأتحدى من يدعي أنه مارس دوراً حقيقياً وطنياً وبمنطلقات حريصة على مستقبل هذا الوطن لكبح جماح هذا التغول الفالت من عقاله في الأسعار في القطاعات كافة، في شهر رمضان والأيام التي تسبق أيام عيد الفطر السعيد.
اقتصادياً ترى فلسطين نفسها أنها من ذوات اقتصاد السوق الحر، وهذا منصوص عليه في القانون الأساسي، ولكن هذا النظام لا يطبق ولا يشكل حماية إلا للتاجر والمورد والصناعي فقط ليتغول في الأسعار ويصيغ اتفاقيات احتكار جماعية تحدد الأسعار ارتفاعاً، ويحمي عمليات هيمنة على قطاعات تمس أمن الغذاء والأمن الاقتصادي في البلد، ولكنه لا ينحاز بشق تمرة للإنسان، للمواطن الذي عانى ما عانى في شهر رمضان من الجرائم الاقتصادية في الأسعار والميزان باسم اقتصاد السوق الحر، وغياب السيطرة على الموانئ والمعابر، وعدم القدرة على فعل أي شئ.
يجب مساءلة المسؤول صاحب القرار من الإدارة العليا في الوزارات ذات العلاقة في كبح جماح التغول في الأسعار وضبط السوق الذين اختاروا السياحة والسفر في الأسبوع الأول من شهر رمضان المبارك وما قبله بيومين وتركوا البلد لتفلت من عقالها.
مارست إدارات الغرف التجارية الصناعية المنتخبة ضمن قوائم فصائلية وطنية الصمت الرهيب والغطرشة بمزاج عن الجرائم الاقتصادية التي ارتكبها التجار بحق المستهلك، وإلا ما هو الداعي لمراسلات من الغرف التجارية تضع مسوغات ومبررات ثبت بطلانها لارتفاع أسعار العجول والدواجن تنتصر للتاجر والمورد وصاحب المسلخ على حساب المواطن الغلبان، وفي آخر النهار تفاخر تلك الغرف أنها دعمت تكية هنا وهناك، ولا تعتبر أن هذه التكايا دليل ساطع على ارتفاع نسبة الفقر والبطالة وتراجع القدرة الشرائية والإقبال عليه نتيجة لتغول أعضاء هيئاتهم العامة بالأسعار.
كانت الشماعة وتلك الفزاعة التي يطلقها التجار ما قبل وخلال شهر رمضان (محلات رامي ليفي في المستوطنات)، ومن ثم فزاعة (ما يسمى بالتسهيلات الاحتلالية للدخول إلى القدس)، ورغم ذلك فإن غالبيتهم الساحقة لم يرحموا ليرحموا، إلا أن المواطن المستهدف بهذه الكلمات والسطور لم ولن يتمكن من الوصول إلى رامي ليفي؛ لأنه لا يمتلك مالاً أصلاً ولا يمتلك سيارة وكذلك حاله بالنسبة للمولات الإسرائيلية ومراكز التسوق وشاطئ بحر حيفا ويافا.
انشغلت الاتحادات الصناعية التخصصية في شهر رمضان المبارك بجولات مكوكية إلى وزارة الاختصاص للدفاع عن شؤون صاحب مصنع عبأ منتجاً فلسطينياً في عبوات معاد استخدامها، وسعوا لكي ينتصروا له، ودافعوا عن مصانع اكتشف أنها لا تمتلك خط إنتاج ويتم التعبئة لها وتدعي أنها الشركة المنتجة.
ليست هذه نهاية المطاف بل تلك نقطة انطلاق صوب المساءلة والمحاسبة وتحميل المسؤوليات والذود عن حمى المواطن، في الوقت الذي بات عرضة لأشكال مختلفة من المس بلقمة عيشه وقوت يومه، ولن تمر مر الكرام تلك الدمعة التي سالت على خد أم فلسطينية؛ لأنها لم تتمكن من شراء دجاجة في الأسبوع الأول من شهر رمضان؛ لأن سعرها وصل 22 شيكلاً للكيلو ضمن جريمة اقتصادية تجارية، وستشكل انطلاقة لمعالجة فرق السعر في الاتصالات بين السوق الإسرائيلي انخفاضاً والسوق الفلسطيني ارتفاعاً بأضعاف مضاعفة.
وكما كان يقول الرئيس المؤسس الشهيد ياسر عرفات: اللي تعب فليتنحى جانباً ويريح ويستريح.
فلتفتح أبواب التقاعد المبكر للكم الهائل من الموظفين العمومين، الذين لم يتمكنوا من تيسير استيراد العجول، ولم يجرؤوا على التشدد بخفض الأسعار في شهر رمضان، وللموظفين الذين يدافعون بشراسة عن أسعار قطاعات يجب أن يراقبوا عليها، لا أن يدافعوا عنها على حساب المواطن الغلبان، فليتقاعد أولئك العاجزون عن تحقيق مبدأ المنافسة ومنع الاحتكار.