الرئيسية » الاخبار »   31 كانون الأول 2015  طباعة الصفحة

مئة متر مربع من الأرض يمكن أن تنتج لأسرة من 5 أفراد احتياجاتها من الخضار على مدار السنة بعد أن ورطتنا الزراعة الكيماوية في دوامة الأمراض وتدهور التربة: الزراعة البيئية أصبحت ضرورة ملحة واستراتيجية

 

سعد داغر
خاص بآفاق البيئة والتنمية

في عام 1900 كان في الولايات المتحدة 6,400,000 مزرعة، ولم تكن تستخدم المبيدات في ذلك الوقت، وكان يُتَوقع أن أقل من واحد من كل عشرة أشخاص من السكان يمكن أن يصاب بالسرطان. وفي العام 1960 تقلص عدد المزارع إلى 3,700,000، واستخدم في ذلك الحين 120 ألف طن من المبيدات الكيماوية على المزروعات، فأصبح واحد من كل أربعة أمريكيين يُحتمل إصابته بالسرطان .
يتزايد في الآونة الأخيرة انتشار أساليب الزراعة البيئية المعتمدة على الطرق الطبيعية في الإنتاج، بعيداً عن استخدام الكيماويات الزراعية التي بدأت بالانتشار في بدايات القرن العشرين، وتسارعت وتيرة استخدامها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بتأثير دعاية قوية تستند إلى الادّعاء بقدرة المبيدات والأسمدة الكيماوية على توفير الغذاء لكل البشر، على الرغم من أنه وحتى اليوم لم ينقص عدد الفقراء والجياع بل يزداد باستمرار. ويرجع الاهتمام المتزايد بالمنتجات الزراعية الخالية من الكيماويات (الأسمدة والمبيدات) إلى زيادة الأمراض التي تصيب الإنسان، ويرى الكثيرون أن سبب ذلك يعود إلى دخول تلك الكيماويات إلى أجسامنا عبر تناول الغذاء الملوث، فبتنا نسمع عن الإصابة بأمراض كالفشل الكلوي وتليف الكبد وأمراض السرطان والعقم وغيرها من الأمراض .
في عام 1989، قدرت منظمة الصحة العالمية أن هناك مليون حالة تسمم بالمبيدات الكيماوية تحدث سنوياً في العالم، منها عشرون ألف حالة تؤدي إلى الموت. والأطفال هم الأكثر عرضة لخطر المبيدات الكيماوية؛ ذلك لأن المعايير (المشكوك فيها من حيث المبدأ)، التي توضع حول المبيدات تتم دراستها وتأخذ بالاعتبار الكبار، دون الأخذ  في الاعتبار الوزن الأقل للأطفال .
من هنا أصبحت الحاجة ملحة للاهتمام والتوجه نحو طرق زراعة بعيداً عن استخدام الملوثات الكيماوية، وذلك لسببين :
الأول: لإنتاج غذاء سليم يسهم في الحفاظ على صحة الناس بعيداً عن الأمراض والمشاكل الصحية .
الثاني: للحفاظ على البيئة والطبيعة المتوازنة، التي يفسدها الإنسان عبر طرق الإنتاج الزراعي التي يتبعها بهدف تحقيق الربح .
لهذا الاعتبار وغيره من الاعتبارات وجد بعض المزارعين أنفسهم أمام ضرورة التغيير في الأساليب الزراعية القائمة على الكيماويات، فبدأ التحول نحو الزراعات البيئية التي تحمل مسميات، مثل: الزراعة الحيوية، الزراعة البيئية، الزراعة قليلة مدخلات الإنتاج الخارجية، الزراعة العضوية، وغيرها، وأصبح اسم الزراعة العضوية الأكثر تداولاً على الصعيد العالمي، خاصة بعد تأسيس “الاتحاد الدولي لحركات الزراعة العضوية" .

فما هي الزراعة العضوية؟ 
هي أسلوب زراعي ذو أبعاد اقتصادية وبيئية واجتماعية، يهدف إلى إنتاج غذاء وألياف نظيفة بطرق آمنة، مع مراعاة التوازن الطبيعي، وعدم الإخلال بالنظام البيئي ككل. ويمكن النظر إلى الزراعة البلدية التي لا تستخدم فيها الكيماويات على أنها شكل من أشكال الزراعة العضوية، رغم عدم خضوعها لقوانين الزراعة العضوية وعمليات التفتيش التي ترافقها.

لماذا نحتاج لتغيير أساليبنا الزراعية الحالية؟ 
     نحن بحاجة إلى التوجه نحو الأساليب البيئية في الزراعة بعد أن أدخلتنا الزراعة القائمة على استخدام الكيماويات في دوامة الأمراض من جهة، ومن جهة أخرى بعد أن تدهورت التربة الزراعية بشكل خاص والبيئة بشكل عام (أنظر جدول رقم 1)

فاستخدام الكيماويات أدى إلى الكثير من النتائج العكسية، التي نذكر منها :
1.   الزيادة في تكاليف الإنتاج الزراعي .
2.   اكتساب الآفات للمناعة ضد المبيدات وزيادة مقاومتها .
3.   ظهور آفات جديدة وخطيرة لم تكن تشكل خطراً من قبل على المحاصيل الزراعية .
4.   تدهور التربة الزراعية وانخفاض إنتاجيتها؛ نتيجة الفقر في المادة العضوية فيها .
5.   تلوث المياه السطحية والجوفية بالكيماويات .
6.   القضاء على الكائنات النافعة .
7.   تدهور التنوع الحيوي .
8.   تدهور جودة الغذاء .
9.   تدهور مناعة المحاصيل الزراعية .

جدول (1)
الفرق بين الزراعة المكثفة (المعتمدة على الكيماويات) والزراعة العضوية


الزراعة المكثفة المعتمدة على الكيماويات

الزراعة البيئية

المعرفة فيها محددة بالكيماويات الزراعية.

تحتاج إلى المعرفة الموسعة والشمولية في التفكير والتعامل مع العملية الزراعية.

النظرة فيها للمشاكل نظرة محدودة تتمثل في البحث عن حلول لأعراض المشكلة، فيما تبقى جذور المشكلة كما هي.

تتناول المشاكل بشمولية للوقوف على جذور المشكلة وليس التعامل مع الأعراض.

تسعى إلى توفير المناخ الملائم للنبات، بما ينتج عنه من تكاليف باهظة.

تركز في البحث على النبات الملائم للمناخ، وهو منهج قليل التكلفة.

تعتمد منهجية تغذية النبات، أي أنها تتجاهل الحياة المتوازنة داخل التربة.

تعتمد  منهجية تغذية التربة، وبالتالي فهي تحافظ على توازن الكائنات داخل التربة.

إن إنتاج الغذاء الآمن والصحي لا يقتصر على المزارعين التجاريين، بل إن كل فرد يملك بيتاً تحيط به حديقة منزلية مهما صغرت، بإمكانه إنتاج الغذاء السليم. وفي ظروفنا المحلية نجد أنفسنا من أشد الناس حاجة لزراعة كل مترٍ مربعٍ من الأرض وإنتاج الغذاء منه .
إن مساحة من الأرض بمعدل مئة متر مربع يمكن أن تنتج لأسرة مكونة من 5 أفراد احتياجاتها من الخضار على مدار السنة، إذا ما أُحسن الاستفادة منها والعناية بها. تملك معظم الأسر الريفية الفلسطينية هذه المساحة حول بيوتها وحدائق قد تصل مساحتها أحياناً إلى 2000 متر مربع؛ ولكن معظم هذه الحدائق غير مستغلة لإنتاج الغذاء، أو أنها مستغلة بشكل محدود وغير كافٍ، مما يعني أننا نفقد مصدراً مهماً من مصادر الإنتاج الزراعي الآمن .

كيف نحدد المساحة اللازمة زراعتها لسد حاجتنا من الخضار؟ 
الجدول التالي (رقم 2) يبين الحاجة السنوية من بعض الخضار حسب بعض الدراسات :

جدول (2)
حاجة الفرد السنوية من بعض الخضار


النوع

الحاجة السنوية للفرد الواحد/كغم

إنتاجية المتر المربع التقريبية/كغم

المساحة المطلوب زراعتها للفرد/م2

بطاطا

50 (رقم تقديري)

4

12

بصل

8

3

3

بندورة

32

4

8

خيار

10

3

3.5

كوسا

7

3

2.5

فاصوليا، فول، بازيلا

5 من كل نوع

1.5

3.5 لكل نوع