المشاركون في الندوة المتلفزة من اليمين إلى اليسار: داود درعاوي أخصائي في القضايا الدستورية، رندا سنيورة مدير عام مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي،
صلاح هنية رئيس جمعية حماية المستهلك والصحافي فراس الطويل مقدم الندوة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
حذر خبراء قانونيون وجمعية حماية المستهلك من خطورة تركيب عدادات الدفع المسبق للمياه، والتي أقرتها الحكومة الفلسطينية في شهر تشرين أول/أكتوبر 2013، مشيرين إلى تداعيات اجتماعية وصحية قد يتركها تركيب هذه العدادات في التجمعات السكانية الفلسطينية، مع التأكيد على عدم قانونية "سلعنة المياه" باعتبارها حقاً أساسياً كفلتها المواثيق والقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الانسان.
وجاءت هذه التحذيرات في حلقة متلفزة قدمها الصحفي فراس الطويل، ضمن برنامج "حوارات بيئية"، من إنتاج مركز العمل التنموي "معا" وتلفزيون وطن وبالتعاون مع مؤسسة "هينرش بل". وكان ضيوف الحلقة كلٌ من: المحامي المختص في القضايا الدستورية وحقوق الانسان داوود درعاوي، ورندا سنيورة مدير عام مركز المرأة للارشاد القانوني والاجتماعي، اضافة لرئيس جمعية حماية المستهلك في محافظة رام الله والبيرة صلاح هنية، في حين امتنعت سلطة المياه الفلسطينية عن حضور الحلقة أو ترشيح أي مسؤول فيها للحديث أمام الرأي العام رغم الاتصال بالجهات المختصة قبل 16 يوما من موعد تسجيل الحلقة.
المحامي درعاوي المختص في القضايا الدستورية وحقوق الانسان أكد على أن الحصول على المياه حق اساسي من حقوق الإنسان، وقد نصت عليه العديد من الاتفاقيات الدولية، خاصة اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وذلك ضمن الحق بمستوى معيشي ملائم ومرتبط بالحق في الصحة والغذاء.
وبناء على ما سبق يقول درعاوي إنه "يتحتم على الدولة أن تكفل حق المياه لكل فرد، بحيث تضمن له مياه الشرب بكمية كافية وغير ملوثة وبشكل ميسور النفاذ والوصول، وبتكلفة مقدور عليها، ولا يجوز للدولة تقييد هذا الحق وفرض قيود تحد من وصول هذا الحق للمواطن أو فرض وسائل تجعل من التكلفة عبئاً ومعيقاً للوصول إلى حقهم في المياه الصحية والنظيفة، فإذا ما أقدمت الدولة على ذلك فإنها تكون قد انتهكت حقوق الإنسان. الحق في المياه اصبح حاليا من أهم القواعد الدستورية الحديثة فكل الدساتير الجديدة، مثلا الدستور المصري والتونسي تضمنت نصوصا مباشرة تنص على حماية الحق في المياه".
حق أساسي
من ناحيتها ترى رندا سنيورة مدير عام مركز المرأة للارشاد القانوني والاجتماعي، أن فلسطين أصبحت ملزمة بتوفير ورعاية حق الأفراد بالحصول على المياه وعدم تحويلها الى سلعة، خصوصا بعد الانضمام للمعاهدات والمواثيق الدولية الأساسية لحقوق الانسان، وعلى رأسها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تشير بصراحة إلى ضرورة تمتع الأفراد بالحق في مستوى معيشي لائق، من خلال توفر كل مقومات الحياة الكريمة، وخصوصا توفر الغذاء الآمن والماء الآمن واستمرارها وتوافرها دون شكل من اشكال التمييز، وعندما تصادق الدولة على هذه المعاهدات فإنها ملزمة بتوفير هذه الحقوق شاءت أم أبت وبشكل فيه نوع من الاستمرارية.
وتكمن المشكلة الابرز كما ترى سنيورة في أن "الاحتلال هو العامل الاساسي في تقييد حق الحصول على المياه، لكن مع ذلك يجب على الحكومة الفلسطينية أن لا تتخذ اجراءات اضافية من شأنها تقييد هذا الحق، فهي لا تستطيع السيطرة على موارد المياه، وبالتالي لا يجوز لها تحميل الأعباء على كاهل المواطن الفلسطيني الفقير، فالرواتب غير منتظمة لقطاع كبير من الموظفين العموميين، وبالنسبة للعمال في القطاعات الاخرى كالزراعة تعتبر رواتبهم محدودة، بالتالي لهم حق أساسي بالمياه دون أي اعتبار". وتابعت بأنه إن كانت هناك مشكلة تتعلق بهدر المياه فيجب البحث في الأسباب المؤدية إلى هدر المياه، فالاحتلال له دور أساسي في هذا الموضوع لكن السياسيات الفلسطينية بدلا من معالجة المشكلة من جذورها تأتي لتضع القيود على حق اساسي مكفول بالقانون، وتضع المواطن تحت رحمة المجالس البلدية.
العدادات والنظافة
بدوره، حذر رئيس جمعية حماية المستهلك في محافظة رام الله والبيرة صلاح هنية من تبعات صحية على سياسة تركيب عدادات مسبقة للمياه. قائلاً إن " الدراسات التي اجريت في قرى غرب جنين التي تم تركيب عدادات فيها، بينت اتباع المواطنين لسياسات في تقطير استهلاك المياه، فبدأت تظهر حالات من عدم النظافة، وبداية ظهور لبعض الأمراض نتيجة شح المياه والترشيد المبالغ فيه".
وقال هنية أن حجة عدم التزام المواطنين في تسديد فواتير المياه وتراكم الديون والتي وصلت الى مليار شيكل في فاتورة المياه، باتت غير مقنعة، لإن السبب في تراكم الديون هو المجالس البلدية التي لا تلتزم بتسديد المبالغ المطلوبة منها، رغم قيام المواطنين بتسيديد فواتيرهم. وأضاف: "رئيس المجلس المحلي حينما تتوفر في يده سيولة بسبب تسديد فواتير المياه، فإنه يفضل تنفيذ مشاريع صغيرة في بلديته، كشق شوارع صغيرة وطرقات، لنيل وكسب ثقة المجتمع المحلي على حساب الأموال التي دفعها المواطن كأثمان للمياه. فالموضوع بالأساس ناتج عن سوء إدارة".
لكن ما الذي يجعل الحكومة تتخذ مثل هذه القرارت غير القانوينة؟ يجيب درعاوي بأن "غياب الرقابة التشريعية وحالة الانقسام التي يمر بها البلد، وغياب المجلس التشريعي، فالحكومة لا تحصل على ثقة الشعب، هي تُفرض وليست انعكاسا للارادة الشعبية، وفي الوقت الذي لا تتجرأ فيه اسرائيل على وقف ضخ المياه للاراضي الفلسطيينة باعتبارها جريمة حرب وترقى الى جريمة ابادة جماعية، فإن الحكومة الفلسطينية تجرأت واتخذت مثل هذه القرارات المجحفة".
قرار غير دستوري
وشدد درعاوي على أن "هذا قرار غير دستوري، لأن هناك قاعدة دستورية اساسية، تنص على حق المواطن الفلسطيني في العيش بكرامة، ووفقا لقانون اصول المحاكمات المدنية والتجارية: من حق اي مواطن فصلت عنه الخدمات الاساسية الماء أو الكهرباء أن يلجأ الى قاضي الامور المستعجلة وأن يعيدها فورا، الحكومة أيضا بدأت بهذه الاجراءات في وقت أغلقت فيه منافذ الوصول للعدالة وليس المياه فقط عبر رفع رسوم المحاكم بشكل خيالي.
هنا وفي ظل عقلية الحكومة في ظل غياب الرقابة التشريعية والشعبية وبقاء الاحتلال وانسداد الافق السياسي لا بد من سؤال جوهري: ما هي الحاجة لوجود هذه السلطة تحت الاحتلال بينما تقوم بالمهام الملقاة على كاهل المحتل وفق قواعد القانون الدولي ومجانا!! بحيث جعلت منه احتلالا رخيصا غير مكلف، في الوقت الذي هو بالأساس مجبر على توفير تلك الخدمات للدولة التي يحتلها".
اللجوء إلى القضاء
وتطرقت سنيورة الى نقطة أبعد من حق المواطن في المياه، وهي أن رأسمال المال الفلسطيني معني بتسويق هذه العدادات المستوردة من دول تخلت عن استخدام هذه العدادات أصلا. مضيفة أن "أصحاب رؤوس الأموال يهمهم كسب المال على حساب الفقير والمهمش والمرأة التي سيزيد من الاعباء عليها بحكم مسؤوليتها التقليدية، فهي مضطرة للبحث عن مصادر مياه اخرى، الأمر الذي يزيد من حجم المتاعب والمسؤوليات الملقاة على عاتقها".
واقترحت سنيورة تبني هذه القضية بشكل جماعي من قبل المؤسسات الحقوقية وحملها إلى المحكمة العليا بصفتها الدستورية.
وتابعت "كمؤسسات حقوقية يجب أن نثير الموضوع من خلال احضار بعض القضايا وتقديمها أمام المحكمة لبحث امكانية عدم تطبيق هذا النظام. إذا كان الاحتلال لا يستطيع منع ذلك عن شعب محتل لانها جريمة حرب، فما بالك بسلطة فلسطينية ألزمت نفسها بالاتفاقيات الدولية وتأتي لتفرض مثل هذه السياسة! علينا مسؤولية من اجل حملات مناصرة وضغط لاثارة هذا الموضوع الذي يؤثر على كل بيت وأسرة، ويجب تعزيز عملية التنمية وتعزيز مشاركة الناس في صنع القرارات والسياسات".
واتفق مع ذلك صلاح هنية الذي قال ان حماية المستهلك تملك بموجب القوانين صفة تمثيل المستهلكين وبالتالي يمكنها مساعدة الجهات القانونية في رفع قضايا ضد الحكومة لاجهاض عدادات الدفع المسبق للمياه داعيا إلى "التركيز على الجودة واستمرار العمل على تأهيل وتطوير الشبكات وتأهيلها واستعادة الحقوق المائية المسروقة ، بدلا من التركيز على القضايا التي تمس أمن المواطن وحقوقه".
وانتقد هنية سياسة ازدواجية المعايير لدى ممولي المشاريع المائية التي ترفض فكرة عدادات الدفع المسبق للمياه في بلدانهم في حين توافق بل وتصر على تطبيق هذه الافكار في الاراضي الفلسطينية.
وفي ختام الحلقة أوصى المحامي درعاوي نقابة المحامين الفلسطينيين بتوفير امكانية وصول المواطنين للمحاكم ومساعدتهم في ذلك. مطالباً الحكومة بإعادة النظر في سياستها التي تسعى بناء كل شيء على حساب جيوب المواطنين، وتفعيل القضايا المرتبطة بتجسيد السيطرة على المياه والاليات التي تجبر اسرائيل على منح الفلسطينيين حقوقهم المائية.