من الطبيعي ان تكون ردة الفعل مختلفة تماما بين طلبة المدارس وبين طلبة الجامعات بخصوص (تشجيع المنتجات الفلسطينية) وتجاه فعاليات (جمعية حماية المستهلك "اني اخترتك يا وطني").
طلبة المدارس من الصف الثالث الأساسي حتى الصف الثاني عشر أسئلتهم ومداخلاتهم مباشرة صوب جوهر الموضوع ولا يجاملون لأنهم بمعزل تماما عن أي نية أو رغبة بالانحياز لموقف عدا تعلقهم بالفكرة تجاه الوطن ومنتجاته والاستقلال عن التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، هذه التبعية التي أرهقت الناتج المحلي الإجمالي وأرهقت تطور الصناعة وأرهقت تنمية الصادرات.
كان طلبة المدارس يذكرون متاجر ومشاريع بالاسم لأنهم لا يشجعون المنتجات الفلسطينية، ويذهبون إلى أبعد من ذلك باتجاه الانحياز المطلق للمنتجات الفلسطينية ولكنهم يمتلكون جرأة كبيرة لتقييم بعض المنتجات الفلسطينية التي لا ترتقي إلى مستوى الجودة والمنافسة وهم محقون.
طلبة المدارس يمتلكون جرأة رهيبة حين يقولون، نعم كنا نذهب مع آبائنا صوب (رامي ليفي) ولكننا بعد العدوان على غزة لم نعد نذهب، كنا نحب بعض المنتجات الإسرائيلية وبتنا اليوم زبائن للمنتجات الفلسطينية.
كنا أيام دراستنا الجامعية نقرأ ونقول أن الطلبة لا يشكلون طبقة ومستقلون عن المصالح والانحياز لطبقة لأنهم ملحقون اقتصاديا.
خلال اللقاءات مع طلبة الجامعات ضمن مبادرة جمعية حماية المستهلك "اني اخترتك يا وطني" كانوا منحازين لفكرة بعينها وهو انحياز له خلفياته (ماذا سنفعل مع وكلاء المنتجات الإسرائيلية الذين ستنقطع رزقتهم في حال تصاعد المقاطعة؟) (لماذا نقاطع نحن والحكومة لا تقاطع؟) (لماذا نضحي بالمشتريات اللذيذة المتنوعة لصالح ثراء هذه الشركة او تلك؟).
واضح أن المواطن الفلسطيني يعتقد اعتقادا خاطئا أن المنتجات المستهدفة بالتشجيع والدعم هي غذائية فقط، وهذا اعتقاد خاطئ لأن لدينا صناعة معدنية ودهانات وبلاستيك وأنابيب لمشاريع المياه والصرف الصحي وحديد بناء والزجاج والأثاث (الخشبي والمعدني) والمنتجات الورقية والبتروكيماوية، وهذه صناعات ليست عابرة في فلسطين بل هي صناعات تاريخية قائمة وتوسع بعضها في أوائل التسعينيات.
واضح ان وزارة الاقتصاد الوطني ووزارة المالية تعتقدان ان دورهما ان تلتقيا مع ممثلي المجلس التنسيقي للقطاع الخاص لتبادل أطراف الحديث عن السياسات الاقتصادية والمالية ومن ثم نلتقط الصور ونعبر عن سعادتنا ولا يحدث اي تغيير على واقع الصناعة ولا تشجيع المنتجات الفلسطينية ولا تنمية الصادرات ولا العطاءات المركزية والمشتريات الحكومية بخصوص تشجيع المنتجات الفلسطينية.
واضح أننا في فلسطين نحب ونعشق ونتلذذ بعملية إعادة اختراع العجلة كلما علقت بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال سياسيا أو امنيا او تفاوضيا، نكرر انفسنا بالاستعانة بالشعب صوب تصعيد مقاومة الجدار والاستيطان وباتجاه مقاطعة المنتجات الإسرائيلية أما لهدف مؤقت وهو فك حجز أموال المقاصة أو هبة للمقاطعة، ونعيد تكرار انفسنا باتجاه دور المدارس والمناهج وزج تشجيع المنتجات الفلسطينية في المناهج، وعندما تعود الأمور إلى سابق عهدها نكبس على المحرك عن بعد ونقول (كم هي حصة كل محافظة من بطاقات الشخصيات الاقتصادية المهمة التي يصدرها الاحتلال؟) ومن ثم يصبح الموال المغنى: إذا لم نعد للشراء من الاقتصاد الإسرائيلي سنحقق هدف خطة الفصل التي يسعى لها اليمين الإسرائيلي، سنعود للحديث عن تقليل قدرتنا على تغطية احتياجاتنا من الصناعة الفلسطينية بالتالي يصبح مباحا الشراء من السوق الإسرائيلية منتجات تنافس المنتجات الفلسطينية في الطاقة الشمسية والأثاث والأدوية الأمر الذي كان مستحيلا في فترة الأزمة السياسية مع الاحتلال.
عمليا تلك هي المعضلة وبالتالي فإن تشجيع المنتجات الفلسطينية يجب ألا يكون موسميا بل يجب ان يكون ثقافة وعملا ممأسس، ومن شمر عن ذراعيه من الرسمين وقال هيا قاطعوا يجب ألا ينفصم عن موقفه بعد شهرين لأن ما كان ممكنا اليوم يصبح تهورا سياسيا واقتصاديا بعد شهرين مثلا.
علينا ان نكون صادقين مع انفسنا أولا لذلك نحن في جمعية حماية المستهلك وفي الراصد الاقتصادي لا نعاني من انفصام ولا نغير جلدنا مع كل مرحلة لأننا لسنا أصحاب مصالح ولا يوجد لدينا ما نخسره، بالتالي فأننا نؤسس لثقافة وطنية جوهرها الاستقلال السياسي والاقتصادي.
لن نكون في حالة انفصام بين الاعتقاد والممارسة .... بقلم صلاح هنية