كان النقاش خصبا وفي أحيان كان عاصفا في ملتقى الصناعات الغذائية العربية وسلامة الغذاء وتيسير التجارة الذي نظمه الاتحاد العربي للصناعات الغذائية بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية والذي عقد الأسبوع الماضي على مدار يومين بمشاركة الخبراء والأكاديميين وصناع الغذاء والباحثين.
بات النقاش عاصفا لحظة تقديم احد المتحدثين ورقته عن مبادرة "فستق" وهي عبارة عن منصة إلكترونية هدفها تتبع سلسلة الغذاء من المزرعة الى طبق المستهلك ليكون أكثر آمنا ويتم إشراك المواطن والمؤسسات في الإبلاغ، فخرجت الرؤية التقليدية للأمور من عقالها، وناقش بعض الحضور بحدة على قاعدة هل نترك غذاءنا وسلامته وتأمينه لمواقع التواصل الاجتماعي ونحن لدينا مؤسسات تؤمن لنا هذا الملف دون توتير.
واحتدم النقاش مرة أخرى في جلسة مخصصة عن دور الأكاديميين في موضوع سلامة الغذاء، وبتنا نرى وكأن الأكاديميين الخمسة في قفص الاتهام وبعض الجمهور يخاطبهم ان المواصفات والتعليمات الفنية هي الكفيلة بحماية الغذاء وليس البحث الأكاديمي البعيد عن الواقع، وتلك الفجوة التي باتت واضحة بين الأكاديميين والمواضيع قيد البحث حتى انهم دافعوا عن انفسهم بالعبء التدريسي والبحث بغرض الترقية والاستمرار في الجامعة، أين هو الوقت المتاح للمشاركة في حملات التوعية والعمل المجتمعي وغيره، ومن الطبيعي ان يدافع أساتذة الجامعات في الجلسة عن دقة معلوماتهم بخصوص المواد الحافظة والملونة وحتى لو كان استخدام بعضها بغرض الحفاظ على قوام المنتج وإطالة أمد صلاحيته.
وكانت هناك وحدة حال في الملتقى برفض المواد الحافظة خصوصا في منتجات الألبان لأن المنتج المصنع ضمن شروط صحية ليس بحاجة لمواد حافظة.
واتفق المداخلون وأوراق العمل أن المواصفات والمقاييس العربية يجب ألا تكون عائقا أمام التجارة البينية العربية بل ميسرة لها، ولا يعقل ان تظل هناك آليات حماية وإغلاق لكل سوق دولة عربية على قاعدة حماية منتجاتها، إضافة لكون متطلبات المواصفات الأوروبية والكندية والأميركية تتطلب شروطا مختلفة عن بعضها البعض في بطاقة البيان، الأمر الذي أدى الى امتثال الصناعات الغذائية العربية لتضمين البطاقة ثلاث لغات وغيرها من الشروط.
ولا بد من الإشارة الى ان تنوع التجارب العربية في قطاع الصناعات الغذائية والمواصفات والحفاظ على سلامة الغذاء أثرى معارفنا بشكل واضح، كالإطلال على تجربة السودان في الثروة الحيوانية وقدرتها كدولة على تغطية 95% من احتياجات الوطن العربي، وان تستمع لتجربة سورية والعراق وليبيا واليمن في التعاطي مع تحديات الصناعات الغذائية في ضوء الأوضاع غير الطبيعية، والحديث من قبل خبراء من تونس حول زيت الزيتون وأهميته وكونه المنتج الوحيد الذي يتم استهلاكه دون أي معالجة أو مضافات.
وكان رائعا الاستماع لتجربة الأردن في مبادرة (فستق) لتتبع الغذاء من المزرعة الى الطبق، ومبادرة الأردن بخصوص (خبزة وزيت لكل بيت) لتشجيع استهلاك زيت الزيتون لأبعاده الصحية، والصوت الواضح من الأردن من قبل هيئة الغذاء والدواء وكون الأردن الثالثة في سلامة الغذاء بعد دبي ولبنان.
طرحنا تجربة فلسطين والمعوقات التي تواجهها نتيجة لعدم السيطرة على المطارات والموانئ ومنع استيراد بعض المواد الخام للصناعة من قبل الاحتلال، أوضحنا تجربة جمعيات حماية المستهلك الفلسطيني في مجال سلامة الغذاء والتوعية ودعم المنتجات الفلسطينية وإصرارنا على كون الصناعات العربية ذات أولوية في السوق الفلسطينية،
وإذا كانت سلامة الغذاء محورا أساسيا في الملتقى على قاعدة ان السلامة الغذائية هي التي تعكس صورة الوطن وكذلك الجودة ومجال التسويق للأسواق الإقليمية والعربية، ويتبع ذلك استكمال التشريعات لتتبع كامل السلسلة الغذائية لضمان سلامة المستهلك، والنظام الوقائي لتحليل مخاطر الغذاء وتعزيز أجهزة الرقابة وتبني آلية متكاملة للسلامة والجودة.
حضور زيت الزيتون كان قويا في الملتقى خصوصا ان رفاهية الشعوب تقاس بمدى استهلاكها للزيت وهذا مؤشر منخفض عربيا، وضرورة اعتماد مواصفة المجلس الدولي لزيت الزيتون ويتم إدماجها في كل مواصفة لكل دولة عربية ضمن مواصفاتها الوطنية.
وتقاسم المشاركون في الملتقى الرأي بخصوص ترشيد استخدام المواد الكيماوية لتقليل متبقيات الأدوية في اللحوم والعسل وبالتالي تقود لزيادة تلك المواد في جسم الإنسان وانتشار الأمراض خصوصا السرطان، وتوحيد إجراءات الحجر الزراعية النباتي والحيواني.
سلامة وجودة الغذاء تحتل أولوية قصوى لدى القطاع الخاص العربي، وعليه مسؤوليات أساسية تجاهها، الى جانب المسؤوليات التي تقع على عاتق الحكومات العربية واهمها توفير البنية التشريعية والرقابية الفعالة بالتعاون الوثيق مع القطاع الخاص.
سلامة الغذاء وملتقى الصناعات الغذائية العربية صلاح هنية