سائد ابو فرحة خاص ب (صدى المستهلك) ملحق مع صحيفة الايام بمناسبة يوم المنتجات الفلسطينية
تمثل الجودة أحد العناصر الأساسية لتمكين أي منتج من المنافسة، وزيادة حصته السوقية، لكن في الحالة الفلسطينية وبشهادة العديد من الخبراء، فإن الأمر يبدو أكثر تعقيدا في ظل خصوصية هذه الحالة بسبب وجود الاحتلال الإسرائيلي وممارساته، والمنافسة التي تواجهها المنتجات الفلسطينية مع نظيرتها الإسرائيلية.
ويرى العديد من الأكاديميين والمختصين بالتصنيع الغذائي، أن المنتجات الفلسطينية قطعت شوطا كبيرا على صعيد الجودة، ما يعزز من حصتها السوقية، لكن ذلك لم يحل دون وجود بعض المآخذ لديهم.
ويرى د. محمد الصباح، المحاضر في كلية الزراعة في جامعة النجاح، أن الجودة عنصر أساسي في تعزيز الحصة السوقية للمنتجات الفلسطينية، خاصة في ظل الحالة الفلسطينية التي تتسم فيها السوق بالانفتاح، وتنوع طبيعة المنتجات المتاحة أمام المستهلك أكانت المستوردة أو الإسرائيلية.
بيد أن الصباح، لم يخف أن هناك بعض العوامل التي تؤثر سلبا على المنتجات الفلسطينية، مثل ما أبرزته بعض التقارير الصحافية مؤخرا حول جانب من المنتجات الزراعية، واستخدام المواد الكيماوية بشكل واسع فيها.
ويقول: التقارير الاخبارية التي نشرت قدمت صورة مقلقة، لكنها لا توفر صورة شاملة ووافية عن حقيقة الوضع، وهذا أمر ينعكس سلبا على نظرة المستهلك لهذه المنتجات.
ويعتقد الصباح، أن الثقة عنصر أساسي في اقبال المستهلك على أي منتج، مضيفا "لا ينبغي المس بثقة المستهلك بالمنتجات المحلية بناء على أسباب غير منطقية".
وهو يرى أن عملية اكتساب ثقة المستهلك مسألة ليست سهلة، وتستدعي جهودا مضنية تركز على الارتقاء بمعرفته ووعيه بالمنتجات.
وعن ذلك يقول: ينبغي توفر الحد الأدنى من المعرفة والوعي بشتى الجوانب المختلفة بالمنتجات، فمثلا لا يجب أن يكون الطعم أو الشكل وحده من يحكم ذوق المستهلك وشراءه للمنتج، بل معلومات حول كون المنتج صحيا من عدمه، إلى غير ذلك.
ومن وجهة نظره، فإن الارتقاء بوعي المستهلك ومعرفته بالمنتجات وجودتها ينبغي أن يثار عبر وسائل الإعلام المختلفة، إضافة إلى التركيز على طلبة المدارس والجامعات.
وهو يقر بوجود صورة نمطية سلبية حول المنتجات الفلسطينية، معتبرا أن جانبا من المسؤولية في هذه المسألة يقع على كاهل الجهات التي سمحت بوجود المنتجات المختلفة في السوق، بما فيها تلك التي تفتقر في مواصفاتها إلى العديد من المسائل المرتبطة بالجودة.
ويوضح أن موضوع الجودة شائك، ما يزيد من حجم المسؤولية التي تقع على عاتق الجهات الرقابية في متابعة المنتجات المختلفة المطروحة في السوق.
ويستدرك: عندما تجد جهة ما، لا تشجع وجود المنتج الإسرائيلي على رفوف المحلات، فإننا سنجد الكثير من المنتجات الفلسطينية تستحوذ على حصة سوقية أكبر.
ويذكر أن على المنتجين الفلسطينيين المبادرة إلى توفير منتجات متنوعة تلبي احتياجات ورغبات المستهلك، علاوة على التركيز على عملية الترويج.
ويمضي قائلا: في بعض الصناعات يوفر الجانب الإسرائيلي منتجات بأحجام وأشكال عديدة، بينما نجد نظيرتها الفلسطينية عادة أحجامها كبيرة، أو غير متوفرة بمعنى أنها تنقطع أحيانا، وهذا أمر سلبي ولا يخدم هذه المنتجات.
ويوضح أن هناك حاجة للتركيز على العوامل التي تعزز تنافسية المنتجات الفلسطينية، مثل ترسيخ أواصر التعاون مع والانفتاح على وسائل الإعلام، واتاحة المجال أمام ممثليها لزيارة المصانع المختلفة لإبراز التقدم الذي حققته ومزايا منتجاتها.
ويردف: زيارة المصانع واتاحة المجال للطلاب للتدرب فيها، عاملان أساسيان في الترويج للمنتجات الفلسطينية، وزيادة ثقة المستهلك بها.
كما يقترح اتاحة المجال للجامعات لإجراء دراسات على المنتجات، باعتبار الجامعات طرفا محايدا ما بين المستهلك والمصنعين والمنتجين، إضافة إلى قدرتها على توفير مادة بحثية تتسم بالمنهجية العلمية الدقيقة.
ويقول: لدينا منتجات منافسة ومميزة في الكثير من المسائل، لكن ذلك لا يلغي الحاجة إلى القيام بعملية الترويج الصحيح في التوقيت المناسب، لتحقيق مزيد من النجاحات على صعيد هذه المنتجات.
ويردف الصباح: هناك شركات فلسطينية مميزة جدا في انتاج اللحوم المصنعة، وهذا أمر يبرز مدى القدرات الكبيرة التي تتمتع بها المنتجات الفلسطينية، لذا فإننا نتطلع إلى مزيد من الاهتمام بمسألتي الترويج للسلع، والتثقيف خاصة فيما يتعلق بالمنتجات الغذائية.
وفي تعقيبه على الموضوع ذاته، يرى د. سامر المدلل، المحاضر في قسم التغذية والتصنيع الغذائي في جامعة النجاح، أن الجودة متباينة لدى الشركات والمنشآت الفلسطينية، مضيفا "هناك شركات صغيرة لا تراعي أنظمة الجودة بشكل كبير، بخلاف شركات كبيرة لديها أنظمة وحاصلة على شهادات محلية ودولية على هذا الصعيد مثل شهادة (الهاسب) و(الأيزو) وغيرها".
ويدلل على ما ذهب إليه بمنتجات الألبان، التي يشير إلى قطعها شوطا كبيرا في مجال الجودة، مقارنة بغيرها من المنتجات.
ويلفت إلى ادراكه لوجود نظرة نمطية سائدة حول المنتجات الفلسطينية بشكل عام، مبينا أن ذلك يعكس عدم ثقة البعض بالمنتج الفلسطيني مقارنة بمنتجات أخرى.
ويربط بين مسألة الثقة، وضرورة توفر اشتراطات "متطلبات" صحية أساسية في أي منتج، مبينا أن الشركات الكبيرة تراعي هذه الاشتراطات بشكل عام، على نقيض نظيرتها الصغيرة.
ويقول: العديد من الأنظمة مثل "الهاسب" اختيارية لدينا، لكن باعتقادي أن الأمر يجب أن يكون اجباريا، وأن يحظى باهتمام الجهات الرقابية، لارتباطه بتعزيز تنافسية المنتجات الفلسطينية وزيادة ثقة الجمهور بها.
ويرى أن هناك حاجة للعناية بمسألة وضع خطط تسويقية لكسر حاجز عدم ثقة البعض بالمنتجات الفلسطينية، علاوة على إنجاز دراسات بشكل دوري من قبل الجامعات لبحث واقع هذه المنتجات، ورأي الجمهور واحتياجاته.
كما يؤكد الحاجة لوجود نظام تقييم من قبل وزارة الاقتصاد الوطني، كي لا يتم التعاطي مع الشركات الكبيرة التي تلتزم بأنظمة الجودة، مثل نظيرتها التي لا تلتزم بها بالدرجة ذاتها.
ويقول المدلل: ينبغي أن يصار إلى دعم المنشآت الصغيرة خاصة المختصة بالتصنيع الغذائي، كي تحقق الاشتراطات الصحية الأساسية.
وفي الإطار نفسه، يذكر د. وسام سمار، وهو عضو هيئة تدريس في جامعة الخليل، أن المنتجات الفلسطينية تمتاز بجودة عالية مقارنة مع سائر المنتجات الموجودة في السوق.
ويعزو سمار، تميز جودة هذه المنتجات بشكل عام، إلى وجود آليات متابعة وفحص منتظمة.
ويضرب مثالا على تميز الجودة، بمنتجات الألبان واللحوم المصنعة، لكنه يلفت إلى اشكالية تتعلق بعملية نقل وتوزيع وحفظ المنتجات في كثير من الأحيان.
وعن ذلك سقول سمار: هناك اشكالية في آلية حفظ المنتجات في أحيان كثيرة، بل إننا نجد أيضا أن عملية توزيعها تكون سيئة، اذ يصار إلى ابقاء بعض المنتجات تحت أشعة الشمس، وهذا يؤثر حتما عليها.
ويستدرك بقوله: المشروبات الغازية أكانت الفلسطينية لها مواصفات محددة ومعروفة، لكن بفعل طريقة التخزين والعرض، نجد في أحيان كثيرة أن منتجاتنا تفقد الكثير من مزاياها ومواصفاتها، وهذا في غير صالحها.
كما ينوه بأن هناك مشكلة على صعيد الترويج للمنتجات الفلسطينية، مبينا أن الاهتمام بهذه المسألة، لا يزال من قبل كثير من المنتجين والمصنعين دون المستوى المأمول.
وهو يشير إلى أهمية مبادرة الجهات الرقابية إلى ابداء مزيد من الاهتمام، بآليات فحص المنتجات، بما يكفل الوصول إلى أعلى مستوى ممكن من الجودة.
وفي تناوله للموضوع نفسه، يذكر د. زياد عياد، عضو هيئة تدريس في دائرة هندسة الأغذية في جامعة القدس، أن مفهوم الجودة يعنى بالحصول على رضا المستهلك ازاء أي منتج أكان غذائيا أو غيره، مشيرا إلى أن رغبات المستهلك متغيرة، الأمر الذي ينبغي مراعاته من قبل المنتجين والمصنعين.
ويقول عياد: رغبات المستهلك لا تتعلق مثلا بالطعم أو اللون فقط، بل قد تشمل الحصول على معلومات كافية عن القيم الغذائية، أو مكونات المنتج، من هنا فإن مفهوم الجودة واسع ويتعلق بأمور كثيرة.
ويقول: لدينا نحو 3000 منشأة غذائية في فلسطين، من ضمنها المصانع المختصة بصناعة الغذاء وهذه يصل عددها إلى نحو 300 منشأة، 50 منها حاصة على شهادات جودة عالمية مثل "الهاسب"، وحوالي 100 شركة حاصلة على شهادة الجودة الفلسطينية التي تقدمها مؤسسة المواصفات والمقاييس، ما يبرز مدى عناية هذه المنشأت بعنصر الجودة.
وبالنسبة لتفضيل جانب من المستهلكين المنتجات الإسرائيلية على الفلسطينية، يرى عياد أن ذلك مرتبط بسنوات الاحتلال، مضيفا "البعض منا نشأ والمنتجات الإسرائيلية تسود الأسواق، لكن الجيل الجديد صاحب نظرة مختلفة عن غيره، وتحديدا تجاه المنتج الفلسطيني، الذي يصدر إلى 70 دولة.
ويبين أن التزام الكثير من الشركات الفلسطينية بأنظمة ادارة الجودة الشاملة، يزيد من قدرتها التنافسية على الصعيدين الداخلي والخارجي، ما يدلل عليه بواقع قطاعي الألبان، واللحوم المصنعة.
ويضيف: قطاعا الألبان، واللحوم اكتسحا الأسواق، ما جعل من المنتجات الإسرائيلية المنافسة ثانوية على مائدة المستهلك، من هنا فخلال العقد الأخير وجد أكثر من 15 مصنع ألبان كبير، أي تمتاز بقدرة انتاجية ضخمة، عدا المشاريع الصغيرة.
بيد أنه لم يخف الحاجة إلى مزيد من العناية بمسألة الترويج للمنتجات الفلسطينية، مضيفا "هناك بعض التقصير في هذا الجانب لدى البعض ارتباطا بظروف عدة، أو عدم تطبيق بعض أنظمة الجودة من قبل بعض الشركات، من هنا أؤكد مجددا أن مفهوم الجودة يتسم بشموليته، وينبغي أن ينعكس على أسعار المنتجات".
ويلفت إلى أهمية عامل السعر في توجيه المستهلك وزيادة اقباله على المنتجات الفلسطينية، باعتباره عنصرا يعزز الشق التنافسي.
ويردف: بشكل عام لدينا تطور وتسارع في الحصول على شهادات الجودة، ما يبرز مدى العناية الكبيرة بهذه المسألة.
وبالنسبة لدور الجهات الرقابية، يوضح مثلا أن هناك أربع جهات رسمية تشرف على قطاع التصنيع الغذائي، بالتالي فإن العمليات التصنيعية تخضع لرقابة مشددة، لكنه يتساءل عما إذا كانت هذه المسألة تنطبق بالدرجة ذاتها على المنتجات الإسرائيلية والمستوردة.
بيد أنه يلفت إلى ضرورة إيجاد ادارة مستقلة للرقابة على الغذاء، أسوة بما هو قائم في كثير من الدول مثل الأردن، خاصة أن هذا القطاع حيوي، ويشغل نحو 18 ألف عامل، مضيفا "وجود مثل هذه الإدارة، من شأنه أن يوحد المرجعية الخاصة بهذا القطاع عوضا عن وجود جهات متنوعة لها مرجعيات مختلفة".
وفي المقابل، فإن بسام أبو غليون، مدير عام اتحاد الصناعات الغذائية، يرى أن المنتجات الفلسطينية وتحديدا الغذائية قد قطعت شوطا لا يستهان به على صعيد الجودة، وباتت الآن تركز على ما هو ربما أهم وهو التسويق بما في ذلك في الأسواق الخارجية.
ويردف أبو غليون: في الصناعات الغذائية هناك نحو خمس جهات رقابية تشرف على المنتجات، علاوة على حصول الكثير من الشركات العاملة في هذا المجال على شهادات الجودة سواء المحلية أو الدولية، عدا وكالات من شركات أجنبية، ما يدلل على مدى تميز هذا القطاع.
ويستدرك: العام الماضي وحده قمنا كاتحاد بالمتابعة مع 25 شركة في الضفة، وخمس شركات من القطاع، حصلت جميعها على شهادات الجودة أكانت محلية أو عالمية، وهذا أمر يحسب لها.
وتشير بيانات الاتحاد إلى وجود 300-500 شركة مختصة بالتصنيع الغذائي، من أصل نحو 3000 منشأة تعمل في هذا الحقل، بما فيها المخابز.
ويقدر أبو غليون الحصة السوقية لقطاع الألبان الفلسطيني بنحو 75%، وان كان يزيد ليصل إلى 90% لبعض الأصناف، بينما يشير إلى أن الحصة السوقية لقطاع اللحوم المصنعة يتراوح ما بين 65-70%، لافتا إلى أن هذا القطاع يمتاز بقدرة انتاجية ضخمة.
وحول أسباب تفضيل البعض للمنتجات الإسرائيلية، يوضح أن مرد ذلك إلى الاحتلال والسنوات الطوال التي استحوذت فيها منتجاته على الحصة الأكبر في السوق لغياب أية منتجات أخرى، خاصة الفلسطينية.
ويضيف: الجيل الشاب أكثر اقبالا على المنتجات الفلسطينية لعدة عوامل، من ضمنها ادراكه للجودة العالية التي تمتاز بها هذه المنتجات.
ويقول: شركات التصنيع الغذائي تحرص دوما على تنفيذ حملات تسويقية وترويجية، ما نعنى به أيضا إلى جانب التركيز على توعية المستهلك بملف الجودة، اذ لا يكفي الترويج للمنتج الفلسطيني لمجرد كونه محليا، اذا كان يفتقر إلى الجودة.