الرئيسية » الاخبار »   01 تشرين الثاني 2020  طباعة الصفحة

في ظل اتساع انتشار جائحة كورونا وعدم وجود سياسة حمائية: مخاطر الانهيار تتهدد صناعة الحجر والرخام في فلسطين

 

كتب حسن عبد الجواد خاص (صدى المستهلك) ملحق صدر بمناسبة يوم المنتجات الفلسطينية

لم يستطع قطاع الحجر والرخام في فلسطين النجاة، من وطأة التداعيات والأزمات الاقتصادية التي تسبب بها انتشار فايروس كورونا، وهو القطاع الصناعي الذي يعتبر من أهم القطاعات الاقتصادية في فلسطين، ويشكل 4,5 % من إجمالي الناتج المحلي، و 40% من حجم الصناعة في فلسطين، و 33% من الصادرات الفلسطينية.

 

وقد شهد هذا القطاع تراجعاً غير مسبوق، بسبب المشاكل والتحديات التي تواجهه، وفقا لدراسات معهد أبحاث السياسات الاقتصادية "ماس"، والتي تمثلت في المخاطر الناجمة، عن وجود الاحتلال وإجراءاته، وإلى بعض المشاكل المرتبطة بالعامل الذاتي الفلسطيني، وغياب السياسات التنموية المطلوبة، واشتداد المنافسة بين منتجي الحجر، في الأسواق الإقليمية والعالمية.

 

نصار نصار: لهذه الأسباب تقف هذه الصناعة على حافة الإغلاق

 

رجل الأعمال نصار نصار، وصاحب اكبر منشاة فلسطينية، في صناعة الحجر والرخام، والتي تعتبر العمود الفقري للصناعة الفلسطينية، ودخلت إلى السوق الفلسطيني في عام 1980، قال:" أن هذه الصناعة الوطنية، والتي وصلت صادراتها من الحجر والرخام، إلى أسواق ما يزيد على 74 دولة، تتعرض اليوم، وفي ظل اتساع انتشار جائحة كورونا، إلى مخاطر وتهديدات وجودية، تتطلب توفير كل الإسناد والدعم الحكومي لها".

 

وقال نصار:" أن استثناء السياسة الاستثمارية للحكومة لمنشات الحجر والرخام والكسارات والمحاجر من قانون تشجيع الاستثمار، والتسهيلات، أسهم في تراجع تطور هذه الصناعة الفلسطينية الهامة. كما أن تكاليف الإنتاج المضاعفة والعالية لمنتج الحجر والرخام، مقارنة بالمنتج الإسرائيلي والأجنبي " التركي والمصري وغيره"، وارتفاع تكاليف البنية التحتية وأسعار الكهرباء والمياه والضرائب، وضع هذه الصناعة أمام خيار الإغلاق، وتحول بعض أصحاب مصانع الحجر والرخام، إلى مستوردين لهذه السلعة من مصر وتركيا ودول أخرى، أضف إلى ذلك اتساع حجم مخاطر ظاهرة التهرب الضريبي، والتي شكلت في مجموعها تهديدا وجوديا لهذه الصناعة، التي أطلقنا عليها بفخر، في وقت سابق " الذهب الأبيض".

 

وحذر رجل الأعمال نصار، من إطلاق العنان لسياسة الاستيراد، التي أغرقت السوق، بمنتجات لا تقارن من حيث الجودة بالمنتج الفلسطيني، وقال أن هذه السياسة، ساهمت حتى الآن في تحويل أعداد ليست بسيطة، إلى موردين للحجر والرخام، ما يضعنا أمام استحقاق وسؤال كبير، حول السياسة الاقتصادية التي يدار بها القطاع الصناعي، وخصوصا ما يتعلق بصناعة الحجر والرخام.

 

وأضاف: "لا شك ان سياسات وإجراءات الاحتلال، تهدد هذه الصناعة، إلا أن عدم توفر سياسة ضريبية حمائية واضحة، وذات جدوى لهذه الصناعة، وشروط العرض و الطلب في الأسواق العالمية، سيضعها أمام حافة الإغلاق، ومستقبل مظلم".

 

وأكد نصار، على أهمية القوانين والتشريعات ذات العلاقة بالقطاع الصناعي، وقطاع صناعة الحجر والرخام على وجه الخصوص، مشيرا إلى انه على الرغم من ألأهمية الكبرى لهذا القانون في تنظيم وتصويب أوضاع مصانع الحجر والرخام أو العمل على توفير بيئة الأعمال وسياسات الطاقة المناسبة لتنميته وتطويره، إلا أن هذا القانون لم يوضع حيز التنفيذ.

 

ولفت إلى انه بالرغم من قدم هذا القانون، إلا أن الجهات الرسمية لم تقم بعمل المناط بها من حيث المواد والدراسات والبحوث العلمية والجيولوجية لتزويد هذا القطاع بكميات الحجر الواقعة في باطن الأرض، وهو ما جعل عملية البحث عن الصخور الطبيعية المناسبة لصناعة تخضع للعشوائية في غالب الأحيان، مع ما  يترتب على ذلك من هدر للموارد المالية، وإلحاق ضرر بالبيئة والمنظور الطبيعي.

 

إشكالية العمالة والطاقة وارتفاع تكاليف الإنتاج للحجر المحلي

 

وقال الدكتور ماهر احشيش الرئيس التنفيذي لاتحاد صناعة الحجر والرخام في فلسطين، أن استمرار أزمة انتشار فايروس الكورونا، تسببت بفقد 73% من المصانع صفقات تجارية في السوق المحلي والإسرائيلي، و  25% من المصانع فقدت صفقات تجارية في الأسواق العالمية. فيما توقف الإنتاج بشكل كلي لدى 72% من المنشآت خلال شهري 3+4/2020م. وتوقف لدى 28% من المنشآت  بشكل جزئي. وبلغت نسبة التواصل مع الزبائن 15% بشكل اعتيادي. و61% بشكل جزئي، و 24% انقطاع الاتصال مع الزبائن بشكل كلي. وهذا ما ألقى بظلاله على مستقبل هذه الصناعة.

 

ولفت إلى أن ابرز المشاكل المباشرة بسبب الجائحة، تجلت بصعوبة في إدخال المواد الخام، وإخراج البضائع الجاهزة، الصعوبة في التنقل، و في إتمام المعاملات البنكية، وفي تحصيل المستحقات من الزبائن المحليين والعالميين.

 

إجراءات الاحتلال المعيقة لحرية حركة البضائع

 

وأشار الدكتور احشيش، إلى ان حرية حركة البضائع و الأفراد من أساسيات التجارة الحرة، لكن ما تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي من إجراءات وإعاقات لا مثيل لها في أي دولة أخرى في العالم يجعل من واقع التجارة الداخلية والخارجية الفلسطينية أمراً في غاية الصعوبة.

 

وبين الدكتور احشيش، أن اتخاذ سلطة النقد لقرارات متسرعة، أعطت الذريعة لأصحاب الشيكات بإعادة الشيكات الراجعة، حتى ولو توفر لديها رصيد. حيث قدرت الخسائر الإجمالية لقطاع الحجر والرخام، خلال شهري (3+4/2020م) حوالي 50 مليون دولار، وان هذه الخسائر والأضرار تضاعفت في الشهور الأخيرة، مع اتساع مساحة انتشار فايروس كورونا، محليا وإقليميا وعالميا، وما تحمله الشهور القادمة من إمكانية اشتداد هجمة الفايروس من مخاطر على الاقتصاد العالمي.  

 

وقال الدكتور احشيش، أن الحجر الفلسطيني يواجه مشكلة كبيرة في المنافسة مع الحجر المستورد المصري والتركي على وجه الخصوص، ومنافسة في السوق المحلي، والسوق الإسرائيلي، بسبب غياب البنى التحتية من شوارع ومناطق صناعية، و ارتفاع تكاليف الإنتاج للحجر المحلي، والعمالة والطاقة"المحروقات والكهرباء". ومن إجراءات الاحتلال، وصعوبة ومنع الوصول إلى المواد الخام في المناطق المصنفة "ج"، ومن الاغلاقات والحواجز، والنقل على المعابر، وعدم وجود سيطرة فلسطينية عليها، حيث ليس هناك حرية تجارة، وساعات النقل في هذه المعابر محدودة، وليست على مدار الساعة .  

 

وأشار إلى أن قطاع الحجر والرخام الفلسطيني، وعلى الرغم من تميزه وجودته، إلا انه يعاني من الانتشار العشوائي للمحاجر والكسارات ومصانع الحجر، في غالبية محافظات الضفة الغربية، والتي في غالبيتها الكبيرة تعمل دون الحصول على التراخيص الصناعية المطلوبة.

 

ولفت إلى أن توصيات اللجنة الوزارية التي شكلت لدعم صناعة قطاع الحجر والرخام، في نيسان 2019، لم ترى النور، رغم كل المطالبات والمناشدات المتكررة. ما وضع هذا القطاع بين سندان هذه المشاكل المتراكمة، ومطرقة الكورونا التي لا ترحم.

 

تخفيض أسعار الطاقة والاستفادة من الإعفاءات الضريبية

 

ودعا سميح ثوابته رئيس اتحاد الحجر والرخام، إلى ضرورة تدخل الحكومة، وتطبيق توصيات لجنة تنظيم القطاع، والمشكلة من عدد من الوزارات والاتحادات الصناعية وأهمها: دعم وحماية المنتج الفلسطيني، و تخفيض أسعار الطاقة، وتوفير المياه بأسعار تفضيلية، ووضع برامج  لترويج الصناعة، وإدارة المحاجر والكسارات، ضمن المنشآت الممكن استفادتها من الإعفاءات الضريبية، في قانون تشجيع الاستثمار.

 

وأشار إلى أن عدد منشآت الحجر والرخام وصل إلى 1500 منشأة حجر ورخام،  وتمتاز بعض الشركات الفلسطينية بوجود عمالة ماهرة راكمت خبرات ممتازة، وتشكل الكسارات والمحاجر نسبة كبيرة منها، وتتركز معظمها في محافظات بيت لحم، لاسيما في مجال الإنتاج، والخليل، ونابلس، وجنين، فيما بلغ عدد العاملين والعاملين في قطاع الخدمات المرافقة من سائقين، صيانة، وشركات تصنيع معدات في هذا القطاع الهام إلى حوالي 25 ألف.

 

ولفت ثوابته، إلى أن الصادرات الفلسطينية من الحجر والرخام تصدر إلى أكثر من 70 دولة،  مشيرا الى ان نصيب السوق المحلي من المبيعات 20%، و15% للأسواق العالمية، و 65% من حجم المبيعات للسوق الإسرائيلي.

 

وأعرب عن مخاوفه من كون صناعة الحجر والرخام تواجه خطراً استراتيجياً كبيراً، يتمثل في نضوب غالبية الصخور الواقعة في مناطق التحجير و التعدين، في المناطق الواقعة تحت السيطرة الفلسطينية و المصنفة "ا و ب" حسب اتفاقية أوسلو، وذلك بسبب الرقعة الجغرافية المحدودة لتلك المناطق من جهة، بالإضافة لكون هذه المناطق ذات كثافة سكنية عالية يمنع إقامة محاجر فيها من الجهة الأخرى ولا سيما في المناطق المصنفة " ا ".

 

 وأوضح ثوابته، أن تقديرات اتحاد الحجر والرخام، تشير إلى أن غالبية المناطق ذات الاحتياط العالي من الصخور الطبيعية و الملائمة لفتح محاجر بها تقع في منطقة "سي" الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، وهي منطقة محكومة بالإجراءات الاحتلالية.

 

وأضاف أن المشكلة تكمن في عدم سماح السلطات الإسرائيلية بحرية العمل في هذه المناطق حيث ( لم تمنح السلطات الإسرائيلية أية تراخيص لإنشاء محاجر في هذه المناطق إلا في حالات نادرة جداً منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية ولغاية الآن). لا بل ان إجراءات الاحتلال تصل إلى حملات مداهمة متواصلة على المحاجر الواقعة في هذه المناطق و مصادرة معداتها و فرض غرامات باهظة جداً على أصحاب هذه المحاجر.

 

وهنا تجدر الإشارة إلى أن لهذه الإجراءات آثاراً وخيمة على هذه الصناعة، تتمثل في انخفاض وفرة المواد الخام، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الخام، بشكل غير مسبوق.

 

من المسؤول عن فقد الحجر الفلسطيني تنافسينه في الأسواق العالمية؟

 

وحسب ثوابته، واستنادا لدراسات معهد أبحاث السياسات الاقتصادية "ماس"، فانه على الرغم من الجودة المرتفعة لمنتجات الحجر والرخام الفلسطينية والسمعة الطيبة التي يمتاز بها في الأسواق العالمية، ووضع فلسطين الجيد على الخارطة العالمية لمنتجي الحجر في العقود السابقة، إلا أن الحجر الفلسطيني فقد تنافسينه في الأسواق العالمية، مع دخول لاعبين جدد وعمالقة في مجال صناعة الحجر والرخام مثل الصين، تركيا، الهند، البرازيل، مصر وغيرها، بسبب المنافسة الحادة على أساس السعر. وعليه باتت الكثير من شركات المقاولات والشركات العقارية تلجاً إلى شراء  منتجات الحجر ذات السعر الأدنى، وبدأت العديد من الشركات الفلسطينية تفقد الكثير من زبائنها في بعض الأسواق العالمية، كالسوق الخليجية على سبيل المثال.

 

وفي السنة الأخيرة إنسحب الأمر نفسه على السوق الإسرائيلي، الذي كان يعتمد على منتجات الحجر الفلسطيني بشكل شبه مطلق، حيث بدأ التجار الإسرائيليون الاستيراد المباشر من الخارج، وتحديداً من تركيا ومصر، وبأسعار زهيدة  مقارنة بأسعار المنتج الفلسطيني، مما جعل الشركات الفلسطينية تخسر أهم أسواقها، فيماأصبحت المنتجات المستوردة تحتل تدريجياً مكان المنتج الفلسطيني، مما شكل ضربة قاصمة لهذه الصناعة، وباتت العديد من المنشآت تنتج بنسبة ضئيلة من طاقتها الإنتاجية، وعدد آخر بدأ في إغلاق أبوابه، وذلك وفقا لمصادر الاتحاد.