مرة عندما تكون في موقع صاحب الحاجة تبحث عن كل القوانين والإجراءات التي قد تنصفك وتحل قضيتك، وانت ذاتك مرة أخرى تكون صاحب الشأن الذي عليه أن يلبي حاجة آخر، تصبح لا ترى الأمور كما كنت تراها قبل أسابيع مضت، وتصبح صاحب شروط وفنانا وضع عوائق تحول بين الحق وصاحبه، صحيح أن الأدوار تتبدل لكن القيم والأخلاق لا تتبدل كما تتبدل الملابس.
جل سنوات حياتي العملية تركزت على جوهر التفاوض وقبول الآخر والتوسط بين أطراف قضية، عملت سنوات بداية حياتي العملية مع الطلبة الجامعيين مسؤولا عن شؤونهم، ومن ثم استمرت حياتي العملية بذات الاتجاه، وبقي مجالي التطوعي في إطار حماية حقوق الطرف الأضعف، وفي ذات الوقت ترى تبدل المواقف بعد أن كانت الأساس في موقع آخر فيه من تسجيل المواقف ما فيه.
نجلس معا على ذات الطاولة لنبحث ذات الهم، ونقر أننا كلنا أصحاب مسؤولية عن الأمر وفجأة تجد تبدل الحال وتقذف المسؤولية كالكرة من يد هذا إلى يد ذاك إلى يد تلك، وتضيع الأمور ولكن الأمر لا تسدل ستارته هكذا بل يجب أن تحسم الأمور بتلك المسألة وتوضع خارطة طريق متكاملة للأدوار رغم عدم الرضا.
قد تكون مارا في شارع فتجد نفايات بجانب الحاوية فتقيم الدنيا ولا تقعدها، ولكن بعد اثنتي عشرة ساعة نراك وقد ألقيت نفاياتك من صندوق مركبتك إلى جانب الحاوية بحجة أنها بعيدة، في الأولى، كنت ناقدا لاذعا وواعظا وفي الثانية اعتبرت ذات الأمر سلوكا عاديا وبالإمكان الصبر لحين قدوم شاحنة نقل النفايات، وهنا تقع الازدواجية الغريبة الممارسة عن سبق الإصرار والترصد.
أي عائق على الرصيف أو الطريق يقود لتأفف وغضب والتوجه للهجرة من البلد، ولكنك ذاتك الغاضب تعتبر نفسك على رأسك ريشة تتيح لك ترك سيارتك ستة أشهر تشكل عائقا أمام سكان عمارتك أو متجرك وتطالب الناس بالصبر الذي لم تقبله لنفسك قبل شهرين.
القضية باختصار أننا أمام منظومة قيم يجب أن تكون موجهة للسلوك دون مزاجية «مسموح لي ممنوع عليك» وهنا تنتظم الأمور ويسود المنطق وتصبح قراراتنا محوكمة وليست على اعتبار «في حد احسن من حد».
وهنا نسأل عن دور المؤسسات، وعن القدوة الحسنة، أين هي ولماذا تضاءلت؟، لماذا لا تهيئ الأندية والجمعيات أعضاءها للمواطنة وسيادة القانون والتطوع، أين الجامعات وكادرها من التأثير على المجتمع. كان أساتذة الجامعات عناصر فاعلة ومؤثرة في تغيير ونهضة المجتمع وهم، اليوم، يظهرون فقط في مؤتمرات استراتيجية في خارج البلد ويغيبون على مستوى البلد والتأثير الإيجابي، لليوم أنا أقف احتراما لأساتذتي في الجامعة لأنهم كانوا معنا في العمل التطوعي والعمل الثقافي ومشاهدة أفلام ذات معنى ومضمون.
بات ملحا ألا نصمت عن الخطأ من باب أن من يمارسه وراء شجرته اسد، وفي الواقع وراء شجرته أرنب ولكننا نخشى أن نكشف عن هذا الأرنب ونضع النقاط على الحروف، لأننا اختفينا وتركنا الأمور لمن يفكر بمن هو خلف شجرة فلان وشجرة علان فيصبح تنفيذ القانون في خبر كان وتضعف قدرة إنفاذ القانون لأننا مثل لعبة التركيب عندما تقع قطعة تسقط بقية القطع، ونحن لا نسند بعضنا بعضا لتقوية موقفنا جميعا في مسارة إنفاذ القانون ونجعل المواطن يشعر انه متساوٍ مع الآخرين وليس أقل وليس فوقهم.
انضبطوا لتضبطوا بقلم:صلاح هنية