رام الله - "الأيام": دعت ورقة أعدها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس" إلى تغيير في السياسات التجارية والصناعية بما يخفض الواردات الفلسطينية من إسرائيل بمقدار الثلث، في ظل القيود التجارية التي يفرضها الاحتلال على الأراضي الفلسطينية.
وعرضت الورقة، التي أعدها منسق البحوث في المعهد مسيف جميل، في لقاء "طاولة مستديرة" دعا إليه المعهد في مقره برام الله، وعبر منصة "زووم"، أمس.
وفق للورقة، فإن خفض الواردات من إسرائيل بمقدار الثلث يعني استبدال واردات بقيمة 1.6 مليار دولار تقريباً.
وحددت الورقة ثلاثة مسارات وسياسات تجارية داعمة لتقليل الاستيراد من إسرائيل، بحيث يستهدف المسار الأول والأشمل وضع سياسات تجارية جمركية قابلة للتنفيذ الفوري تجاه القوائم السلعية المدرجة في اتفاق باريس الاقتصادي والتي لم تستغل بعد، ووضع سياسات جمركية حمائية، وكذلك تعزيز العمل على تشجيع الاستيراد المباشر، واستيراد السلع الإستراتيجية من خارج إسرائيل مثل البترول، واستحداث صناعات جديدة تخص القطاع الزراعي.
بينما يطرح المسار الثاني التأثير على المستورد والمستهلك لتغيير أنماط الاستيراد والاستهلاك للسلع العادية المستوردة من إسرائيل، إذ إنه ليس بالضرورة استيراد واستهلاك سلع من السوق الإسرائيلي، خاصة إذا لم تكن سلع إستراتيجية أو حساسة (مثل السكاكر، والشوكولاتة، والمشروبات الغازية، وغيرها)، وهذه السلع بحاجة إلى رصد وتفحص لاتخاذ السياسات والإجراءات المناسبة تجاهها.
فيما يشير المسار الثالث إلى العمل على قائمة سلع محددة (36 سلعة) لتوسيع الطاقة الإنتاجية للاقتصاد الفلسطيني، أي العمل على الاستعاضة عن جزء من السلع المستوردة حالياً من السوق الإسرائيلية، خاصة السلع الحساسة والمهمة، التي يمكن زيادة إنتاجها محلياً كبديل للسلع الإسرائيلية.
وبيّن الباحث أن هناك 36 سلعة قابلة للإحلال بمنتجات محلية سواء بشكل جزئي أو كلي، منها 22 سلعة تستورد حصرياً من إسرائيل، و14 سلعة تستورد من إسرائيل وغيرها، مثل المياه المعدنية والغازية، وبعض المواد الغذائية، والبيض، والخضار والفواكه، والأعلاف والأسمدة، وهي تستورد حصراً من إسرائيل، وجزء آخر من هذه السلع كالحيوانات الحية، والإسمنت، وأجهزة الهاتف، والشوكولاتة والسكاكر، والقمح والأرز، وهي تستورد من إسرائيل وغيرها.
وأشار إلى سلع "سهلة الإحلال وسهلة التصنيع"، كما توجد بها غزارة في الإنتاج المحلي وهناك قدرة عالية على تغطيتها من الإنتاج الفلسطيني، مثل المياه المعدنية والغازية، وبعض السلع الزراعية، ومنتجات الألبان.
ونوّه جميل إلى تراجع الناتج المحلي الفلسطيني في الضفة الغربية بنسبة 19% خلال العام 2024، وتوقع أن يتسارع هذا التراجع، مبيناً أن هناك تعطلاً شبه كامل في قطاع غزة للحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية وأصبح مكاناً غير قابل للحياة، إضافة إلى وقف العمالة في إسرائيل والذي أدى إلى تداعيات كبيرة على إنفاق الأسر، والإيرادات، وتراجع الطلب المحلي، وتراجع الواردات، وارتفاع البطالة إلى مستوى 45% في الضفة الغربية.
وتوقع تراجع الواردات بنسبة 30% مع نهاية العام 2024، والتي تشكل حوالى 50% من الإنفاق الاستهلاكي.
وبيّن الباحث أن الواردات تراجعت بشكل ملحوظ بسبب تشديد القيود الإسرائيلية، وارتفاع تكلفة الاستيراد، وتراجع القدرة الاستهلاكية، وتوقعات المستوردين بتراجع القوة الشرائية بسبب البطالة المرتفعة، ونتيجة لذلك أشارت أرقام الربع الأخير من العام 2023، والشهر الأول من العام 2024 بالمقارنة مع نظيرَيهما إلى انخفاض الواردات الكلية بنسبة 28% و34% على التوالي، فيما انخفضت الصادرات الربعية والشهرية بنسبة 23% و15% على التوالي، بينما لم تنخفض الصادرات في كانون الأول 2024 بشكل ملحوظ بسبب ارتفاع نسبة التصدير في هذا الشهر إلى دول العالم، على الرغم من الانخفاض الملحوظ في نسبة الصادرات إلى إسرائيل.
وعقّب جواد المعطي، من وزارة الاقتصاد، مشيراً إلى قرار اتخذه مجلس الوزراء العام 2015 بإعداد قائمة للعمل عليها لموضوع الإحلال، داعياً إلى وضع توصيات بشأن إعادة النظر في بعض السياسات، خاصة فيما يتعلق بجذب المستثمرين.
من جهته، حدد رئيس جمعية حماية المستهلك، صلاح هنية، ثلاثة مستويات في موضوع إحلال الواردات، الأول يتعلق بالبعد الشعبي الجماهيري في التوجه نحو مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ودعم المنتجات الفلسطينية، وضرورة وأهمية استمرار مبادرات التوعية ومأسستها والاستعانة بالمؤسسات البحثية والعلمية لإسنادها بالأرقام والمعلومات الدقيقة، أما المستوى الثاني فإنه متعلق بالشركات الفلسطينية، وذلك من خلال زيادة التركيز على الجودة، وكذلك ألا يكون أول عامل متغير هو ارتفاع الأسعار، مع الحفاظ على حقوق العمال. أما المستوى الثالث فيتمثل بالحكومة من خلال الإسراع في إنجاز الكود الفلسطيني والانضمام لمنظمة الترقيم العالمية، والإسراع في إنجاز معهد التغليف الفلسطيني بالشراكة مع القطاع الخاص.
من جانبه، اعتبر خضر دراغمة، ممثل وزارة الصناعة، أن موضوع إحلال الواردات "قضية مصيرية" بالنسبة للقطاع الصناعي في فلسطين، مشيراً إلى أن هناك سلعاً بسيطة ذات طابع استهلاكي قابلة للتصدير.
وقال غازي الحرباوي، رئيس الاتحاد الفلسطيني للمعادن الثمينة: إنه من الصعب إعادة صياغة العلاقة التجارية مع الجانب الإسرائيلي، خاصة أن إسرائيل غير ملتزمة بأي بند من هذه البنود، داعياً إلى كسر هذه العلاقة على المستوى الشعبي، وتعميق العلاقة مع فلسطينيي الداخل، وتعزيز الصناعة ضمن إستراتيجية لزيادة حصة المنتج الوطني الفلسطيني في السوق المحلية.
فيما دعا زياد عنبتاوي، رئيس مجلس إدارة شركة الأرض، إلى ضرورة تطوير العلاقات الإقليمية لفلسطين، وتشجيع البحث والتطوير، وخلق حالة من الشراكات الدولية.
وكان رجا الخالدي، مدير عام "ماس"، استهل اللقاء مؤكداً على أهمية الموضوع وتداعياته السياساتية الحياتية والمعيشية، مشدداً على أن موضوع هذه الورقة يأتي ضمن أولويات المعهد، وهي جزء من مجموعة الأنشطة التي نفذها المعهد في إطار آثار العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية.
ورقة لـ"ماس" تقترح إجراءات لخفض الواردات من إسرائيل