فلسطينياً باتت الغالبية العظمى الكاسحة تمرّ مرّ الكرام عن شؤون حياتها الأساسية دون أن تحرك ساكناً، وإن تحركت مجموعة نيابة عنها تركوا الغلاء والبطالة والفقر والرسوم والعلاج الطبي، وتوفير الأدوية وأسعار الادوية مقارنة بدول الجوار، وانشغلوا بعيداً عنها وبلّشوا نقداً لمن يبادر وتقديس الوضع القائم، وقد يكون هذا نتاج تضارب مصالح بحيث يكون هو جزءاً من منظومة رفع الأسعار أو موردي للمنتجات الإسرائيلية.
في يوم وليلة ترتفع أسعار الفواكه في موسمها بصورة غير مسبوقة، وكذلك الخضار واللحوم الحمراء بجانب التغول في أسعار الوجبات في المطاعم، وأصناف أخرى متعددة قد تبدو مخفية، ولكن هناك من يعاني منها، وما كان الأمر ليمرّ مرور الكرام خصوصاً في ضوء تراجع القدرة الشرائية للمواطن وتعطل 200 الف عامل عن العمل في السوق الإسرائيلي، وصرف نصف راتب لموظفي القطاع الحكومي، وتراجع قدرة المشاريع الصغيرة على الصمود.
عملياً هناك جهات اختصاص حكومية يقع على كاهلها العبء الأكبر في موضوع الغلاء، وهذه خطوط مرجعية متفق عليها منذ أعوام مضت، بحيث تقوم وزارة الزراعة بوضع سقف سعري للخضار والفواكه والدواجن واللحوم الحمراء، وترفعها لوزارة الاقتصاد الوطني للرقابة والمتابعة، ودور وزارة الزراعة هو حماية المزارع من تغوّل التجار والسماسرة عليه وعلى المستهلك في النقطة النهائية، وقد قمنا في جمعية حماية المستهلك الفلسطيني بحماية المزارعين مرات ومرات، حين انهار سعر الجبنة البلدية في "الكورونا" بسبب التجار الذين بخسوا بأسعارها لتحقيق نسبة الربح الكبرى، فدافعنا عن المزارع وجلبنا جبنتهم وسوّقناها بسعر عادل في المدن المختلفة بالتعاون مع اتحاد المزارعين الفلسطينيين صاحب العلاقة، وكذلك مع البطيخ والشمام والفقوس والعنب والجوافة.
قانونياً لا توجد امكانية لتحديد الأسعار أو توحيد الاسعار ( حسب المسؤولين ) ولكن هناك قانوناً يمنع التغوّل في الاسعار، وهناك خطوات منصوص عليها في العلوم أن خير طريقة هي زيادة العرض لتلبية الطلب وبالتالي خفض الاسعار.
مسؤولية حماية حقوق المستهلك ومكافحة الغلاء مسؤولية جماعية مكوناتها الحكومة، القطاع الخاص، النقابات وجمعية المستهلك، والقطاع الأهلي عموماً، محزن أن لا يقف الأمر في ضوء تعدد جهات المسؤولية كل في موقعه، ومحزن أن يصاب المواطن بالإحباط والانطفاء، وهو عرضة لزيادات في الكهرباء والمياه والمواصلات والوقود والعلاج والطبابة والأكل وحتى الترفيه المتواضع، فتناول طبق حمص وفول وحبة فلافل مع العائلة في مطعم شعبي باتت أمراً لا يُحتمل، وغالباً يواجه من يقول ذلك بأنه ليس دقيقاً ومبالغ فيه.
جمعيات حماية المستهلك تشبّك وتتابع مع حلفاء لها في القطاع الأهلي لمزيد من الضغط والتأثير، ولكننا لا نحمل صفة الضابطة العدلية للمخالفة واتخاذ إجراءات، ولكن سلاحنا الأقوى هو المستهلك الذي من خلاله نستطيع ان نقاطع وننشر الأسعار المرتفعة ونوثقها ونرسلها لجهات الاختصاص، ونخاطب التجار ونخاطب الحسبة المركزية ولا نتركهم وشأنهم، بحيث لا يسوقوا المنتجات في السوق الإسرائيلي ونحن في حاجة ماسة لها لزيادة العرض، ونحن من نستطيع أن نروّج لمنتجات التعاونيات والمزارعين عبر الشراء المباشر وفرض سعر عادل عبر هذا التشبيك والجهد.
الجمعيات تتلقى الشكاوى عن الغلاء من الملابس الى المعاملات البنكية الى التأمين الى التجارة الإلكترونية الى رسوم المغادرة على معبر الكرامة... إلخ، منها ما يتابع مع وزارات الاختصاص، ومنها مع القطاع الخاص والتجاري وغيره، ومنها ما يحوّل الى قضايا رأي عام، كما فعلنا في نهاية علم 2021، ويومها تدخلت جهات سيادية عدة دفعت الى ضبط الأسعار، ومنها ما نتوجه ضده الى القضاء مثل قضايا التأمين والبنوك، ومنها ما يحتاج نفَساً طويلاً قد يمر عليه سنوات متتابعة لنصل بعدها الى نتيجة مثل تعدد التعرفة للكهرباء في المحافظات، وفي نهاية الأمر استطعنا مع سلطة الطاقة الفلسطينية أن نصل إلى تعرفة موحدة تخدم المواطن وتنصف شركات التوزيع.
الــغـــــــلاء ... لا عزاء للفقراء الكاتب: صلاح هنية