الرئيسية » الاخبار »   02 تشرين الثاني 2024  طباعة الصفحة

في يوم المنتجات الفلسطينية الكاتب: صلاح هنية

 

يصادف الأول من تشرين الثاني من كل عام بداية من العام 2019 الاحتفال بيوم المنتجات الفلسطينية، وهو يوم وطني لتعزيز الصمود وتعزيز تنافسية المنتجات الفلسطينية، ونحن في سياق هذا التاريخ وفي خضم فعاليات هذا اليوم.


البداية:
حكايتي بدأت مع المنتجات الفلسطينية منذ تبلور وعيي وربط المسألة بمسألة تعزيز الصمود وزيادة فرص العمل والاستثمار، وكانت تلك جميعها أمور معقدة في ظل وجود احتلال متحكم بكل مناحي الحياة، فكانت الصناعة والتجارة والزراعة والخدمات عناوين صمود وبقاء على الأرض، وكان الاحتلال معنياً بتعزيز منتجاته وخدماته وتقديمها على كل ما هو فلسطيني.
وكان في تلك الفترة حتى أواخر التسعينات يتحكم بمصادر المواد الخام للمنتجات الفلسطينية، إذ اشترط الاحتلال مثلاً على من يريد تسويق منتجات الألبان في سوق القدس أن يضمن 30% من مدخلات الحليب من السوق الإسرائيلي، ومنع الدواء الفلسطيني من التسويق في صيدليات القدس، وحظر منتجات كثيرة كذلك، وعمل على فصل سوق الضفة الغربية عن سوق قطاع غزة وعن سوق القدس، ولم يكن لنا تحكم بالموانئ والحدود، الأمر الذي زاد الأمور تعقيداً.
وكانت تلك البدايات محفزاً لأن نتجه صوب التعمق في مفاهيم اقتصاد الصمود، والعودة إلى الأرض، وتعزيز التعاونيات التي كانت سائدة في الوطن قبل تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية.
بداية المأسسة:
في العام 1999 تجمعنا مجموعة من المؤسسات الأهلية لنطلق حملة وطنية لمقاطعة منتجات المستوطنات، ووضعنا تصوراً تكامل مع الاتحاد الأوروبي في خطواته لحظر دخول منتجات المستوطنات إلى أسواقه ووسمها، وبدأنا نشاطاتنا بالشراكة مع مؤسسات عديدة قاعدية، وأصدرنا قائمة بمنتجات المستوطنات وعمّمناها وتعاونّا مع المحافظين والضابطة الجمركية ووزارة التموين آنذاك والنقابات المهنية واتحادَي العمال والمرأة، والفلاحين.
وذهبنا صوب الأسواق المركزية للخضار والفواكه لمتابعة ضمان عدم تسويق العنب اللابذري والبطاطا والجزر والبطيخ من منتجات المستوطنات، وجوبهنا بالنقاش الذي يتكرر عادة (إنها أرضنا ومياهنا) (شو بفرق) (اذهبوا وابحثوا عن أشياء أكبر وأهم)، وفي النهاية تم ضبط السوق نسبياً إلى أن تعمق الوعي وبات هناك توجه عام خصوصاً في القطاع الزراعي.
أذكر مثلاً أن أبواب الأمان (ملتي لوك) هي السائدة وكانت تنتج في مستوطنة، وكان العمل ضد وجودها في سوقنا طويلاً مع عدة جهات مستفيدة، إلى أن تمكنا مع نقابة المهندسين ووزارة الأشغال العامة والإسكان ووزارة التربية والتعليم العالي وبكدار، بحيث بات يرد في مواصفات العطاءات أبواب الأمان الفلسطينية، الأمر الذي دفع لتوسيع خطوط الإنتاج والحصول على شهادات الجودة وتنويع المنتجات لتلبية الطلب، وانسحب الأمر ذاته بالضبط على الدهانات والألمنيوم والصاج المجلفن، حيث كانت هذه الفعاليات نشاطاً شبه يومي بالشراكة مع جهات الاختصاص.


اندلعت انتفاضة الأقصى وبات المزاج الشعبي قد تحول جذرياً باتجاه توسيع قائمة المقاطعة وليس فقط منتجات المستوطنات، فكانت خارطة الطريق قائمة على التعامل القطاعي، ففرغنا وقتاً طويلاً مع نقابة الأطباء ونقابة أطباء الأسنان ونقابة الصيادلة واتحاد مصنعي الأدوية، لنقاش حجم المنتج الفلسطيني وقدرته على تلبية المتطلبات وسبل توسيع حصته، فخرجنا بـ 44 منتجاً دوائياً لا تستقيم الحياة دونها ولا يستغنى عنها والبقية متوفرة بالصناعة الدوائية الفلسطينية، حققنا إنجازاً ورسخنا القواعد وذهبنا صوب قطاعات أخرى مع الشركاء الألمنيوم، الدهانات، الصاج المجلفن، أبواب الأمان.
في العام 2010 أطلقت الحكومة الفلسطينية صندوق الكرامة الوطنية لمقاطعة منتجات المستوطنات ضمن أوسع قبول شعبي، تمثل بتبرعات للصندوق من قطاعات متعددة، وتنظيم حملات من بيت لبيت وإلصاق ملصقات بأن هذا المنزل/ المتجر/ البلدية خالية من منتجات المستوطنات، وصدرت قائمة موسعة بالمنتجات المستهدفة بالمقاطعة وتعميمها، وعقدت سلسلة لقاءات جماهيرية قادها رئيس الوزراء آنذاك، وبات الوعي منتشراً بقوة في هذا الاتجاه.
ومن رحم هذه التجربة أسست جمعيات حماية المستهلك الفلسطيني بهدف إسناد تجربة الصندوق، وبهدف تشكيل قاعدة جماهيرية لصالح الدفاع عن حقوق المستهلك، وتوسيع قاعدة المؤمنين والعاملين على مقاطعة منتجات المستوطنات، ونشر الوعي الجماهيري باتجاه تعزيز حقوق المستهلك وحمايتها.
ومنذ تلك اللحظة إلى اليوم وهذه الجمعيات تحمل على أكتافها تعزيز المنتجات الفلسطينية وزيادة حصتها السوقية، وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، ومررنا بتجارب متنوعة فمنهم من كان لا يؤمن بوجود منتجات فلسطينية!! ومنهم من كان يتهم المنتجات الفلسطينية بأنها جميعها تعبئة من مصادر إسرائيلية!! والمنتج الفلسطيني بلا طعم!!
أين نقف اليوم؟
الجمهور هو ذات الجمهور منذ العام 1999، والتجار والموزعون هم ذاتهم، والصناعيون الفلسطينيون هم ذاتهم على مدار السنوات المذكورة، ولكننا نقف اليوم على أرض صلبة لأسباب عدة أهمها الوعي الذي ترسخ. زيادة منافسة المنتجات الفلسطينية وزيادة تركيز المنتجين الفلسطينيين على الجودة. تعزيز دور مؤسسة المواصفات والمقاييس وإصدار مواصفات تغطي قطاعات إنتاجية فلسطينية. دور وزارة التربية والتعليم العالي بفتح أبواب المدارس لنشر التوعية بدعم المنتجات الفلسطينية وتحويل مقاصفها إلى منتجات فلسطينية. الشراكة بين جمعية حماية المستهلك الفلسطيني والشركات الفلسطينية لتقديم منتجاتها والتعريف بها في المدارس والجمعيات والنقابات والجامعات والأندية الشبابية، الأمر الذي عمق الوعي والتعرف على المنتجات الفلسطينية وتنوعها. دور حملات التخفيضات والترويج من محلات السوبرماركت الكبرى ركزت على المنتجات الفلسطينية بالعروض والترويج، وهذا له دور بارز. قرار عديد المؤسسات الفلسطينية بتوصيف المنتجات الفلسطينية والمستوردة من مستورد فلسطيني معروف.
خلاصة القول ومن منطلق موقف مبدئي وعلمي، كل ما ينتج فلسطينياً هو فلسطيني على أن يحقق 40% مدخلات إنتاج فلسطينية بما فيها الأيدي العاملة، وهذا تعريف معتمد بين الشركاء الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات العمل الأهلي المتخصصة، ويكفينا تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 35%.