شهادتي في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني – «ماس» منحازة لإنجازاتهم ودورهم، وهذا ما يجعلني مواظبا على حضور طاولاتهم بتباعد والاستعانة بباحثيهم في نشاطات خارج إطار «ماس» باتجاه جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، طبعا، سيثير هذا الكلام نقاشا مع أصدقاء يعرفون «ماس» جيدا على قاعدة (إنني مبالغ) وهم يصرون على أن جمهوره لا يتجددون بل هم ذاتهم وبذات ردة الفعل ممن هم من أهل الطاقة المتجددة، وممن هم من «ربع» المالية العامة، ولكني ببساطة ارد عن نفسي التهمة بأنني اتفق جزئيا ولكنني أرى معظم الوقت حسب موضوع البحث وجوها جديدة، وهذه ليست تهمة ننعت بها المواظبين لصالح الغائبين الذين يبررون «أننا نسينا، انشغلنا».
الأسبوع الماضي، كنا على موعد مع ثلاثين عاما على تأسيس «ماس» عبر ندوة دولية تحت عنوان «أولويات اقتصاد فلسطين في خضم الحرب»، الجميل أن المؤتمر انطلق في موعده وهذه ميزة تنافسية للمعهد، وكان التركيز على الاستراتيجيات السياسية وخيارات التنمية من باب سيناريوهات أحدها يتعلق بوقف العدوان على قطاع غزة والانسحاب وانسحاب الوضع على الضفة الغربية وهذا سمي متفائلا، وسيناريو استمرار الحال على حاله في العدوان ومساعي ضم الضفة الغربية وحجب المناطق المصنفة (ج) ولكل سيناريو استحقاقاته فيما يتعلق بإحلال الواردات، تعزيز المنتجات الفلسطينية، اقتصاد الصمود، الانفصال عن الاقتصاد الإسرائيلي.
ومن ثم ذهبنا صوب البنوك والشمول المالي وخلاله تم إيضاح آثار فائض الشيكل، والبنك المراسل ووقفه وإعادة تفعيله لعام، شح السيولة النقدية: يشكل شح السيولة النقدية في قطاع غزة أزمة إنسانية واقتصادية، عدم السماح بإيصال الأموال إلى قطاع غزة ما حال دون استلامها من البنوك لتوفير حاجة المواطنين، انهيار القطاع المصرفي في قطاع غزة وتدمير الصرافات الآلية ومقار البنوك. ويظل القطاع المصرفي قويا ومتينا، الحكومة المقترض الأكبر من البنوك، ارتفاع العوائد رغم الوضع الحرج، ثقة الجمهور بالبنوك رغم اهتزازها في البدايات.
واحتل القطاع الزراعي مساحة واسعة من النقاش في الورقة المخصصة لذلك والتي ركزت على السياسات التجارية وآثارها وضرورة أن نبتاع المنتج الفلسطيني حتى لو ارتفع سعره في بداية الموسم فهذا هو حال الزراعة في العالم كله، الزراعة مرتبطة بالأرض والمياه، سياسات حكومية داعمة، زيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي التي بلغت 6% ونحن أمام تحدي رفعها.
المميز في المؤتمر هو التعقيب من خبراء دوليين من العالم أيضا اجملوا وعلقوا بروح البحث العلمي الجاد. الباحثون المتحدثون اعطوا منصة «ماس» هيبتها بحيث قدموا أوراقا ذات مضمون وخلاصة بتفاوت حسب تقييم الحضور، الصناعة لم تأخذ حقها كما هي الزراعة والمصارف والطاقة المتجددة والملف الاجتماعي، وظلت مربوطة بالابتكار ولكن لم يتضح هذا الخيط الرفيع الذي يربطهم ولم يكن التوضيح من حديث الجمهور قد أفاد أيضا.
كان موضوع المقاطعة حاضرا بقوة في المؤتمر، وموضوع إحلال الواردات، حتى أن مُداخلا أصر على التمييز بين المقاطعة وإحلال الواردات وعدم الخلط، وأوضح أن القطاع الصناعي مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي في أحسن أحواله 22% ومع الوضع العام وتدمير 90% من المنشآت الصناعية في غزة، وتراجع وضع 25% من المنشآت الصناعية في الضفة الغربية لا يعقل أن نظل ننثر وردا للجمهور في هذا القطاع سواء السياسات الحكومية، أو التمويل، أو التسويق.
الحكومة كانت في المؤتمر حاضرة بشكل مناسب عبر خطاب رئيس الوزراء رغم أن الناس تبادلوا النظرات عندما استمعوا لأرقام مالية قدمت وستقدم للخزينة ومبادرات لها استحقاق مالي، وقد يبدو أن الناس لا يسمعون إلا احتجاز المقاصة وعدم القدرة على صرف الراتب كاملا وقضايا الضم والاستيطان، القطاع الخاص والمجتمع المدني عليه دور مهم وأساسي في المرحلة الراهنة.
«ماس» وأولويات اقتصاد فلسطين في خضم الحرب الكاتب: صلاح هنية