بقلم: جاد الطويل *
أفقت هذا الصباح بعد يوم وليلة من التعب الجسدي نتيجة التفكير العميق في ما آلت إليه الأوضاع الخدماتية والإنسانية، خصوصًا في المجال الصحي في فلسطين. كان كل تفكيري منصبًا على السؤال: إلى أين تتجه الأمور، وما هي الحلول؟
ومع هذا، استيقظت وأنا أشعر براحة عجيبة. جلست مواجهًا لأشعة الشمس القادمة من الشرق، وكأنها تعانقني، وكلي طاقة وإيجابية وأمل بالله يزداد. أخذت أفكر بجدية حول الموضوع الذي يستحق أن أكتب عنه. فجأة، قفز أمامي منشور على إحدى منصات التواصل الاجتماعي باللغة الإنجليزية، يمكن ترجمته إلى:
"ثروة الإنسان الأكثر جمالًا وفعالية ليست رأسًا مليئًا بالمعرفة، بل قلبًا مليئًا بالحب، وأذنًا مستعدة للاستماع، ويدًا مستعدة لمساعدة الآخرين."
لا يستطيع أحد إنكار أن الوضع الصحي في الضفة الغربية وقطاع غزة كارثي. لذلك، أحاول منذ ما يقارب ثلاثة عقود ومن خلال تطوعي في الجمعية الفلسطينية لأمراض النزف، أن أسلط الضوء على معاناة شريحة مرضى نزف الدم الوراثي، ومن بينهم مرضى الهيموفيليا.
فمأساة هؤلاء المرضى وعائلاتهم متجددة، وهم مهمشون كما هو حال المرضى الآخرين الذين يعانون من الأمراض الوراثية والمزمنة. كيف يكون الحل؟
كيف يحصل المرضى على حقوقهم؟ وكيف توفّر لهم وزارة الصحة الخدمات والأدوية؟ هل تنتظر الجهات الرسمية حتى يحتج المرضى في الميادين العامة و يؤذوا أنفسهم بنشاط جماعي، كما فعلت مريضة تصلب لويحي قبل فترة؟
أم يُسرع مسؤول لتوفير العوامل المخثرة بعد تهديد مريض هيموفيليا بحرق نفسه وإخوته في مبنى عام نتيجة انقطاع أدويتهم؟
يجب علينا جميعًا أن نحافظ على النفس البشرية وألا نؤذيها، فهذا مبدأ أخلاقي، ديني، اجتماعي وإنساني. شخصيًا، لا أتفق مع هذه التصرفات التي تهدف إلى إيصال الرسائل عبر إيذاء النفس للضغط للحصول على الخدمات.
فقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا".
كما أن الحق في الصحة والحصول على الأدوية والخدمات الصحية هو مبدأ أقرته القوانين المحلية والدولية والمواثيق الإنسانية. على المجتمع الفلسطيني، وخصوصًا أصحاب القرار، استخلاص العبر من التداعيات التي أودت بحياة العديد من المرضى بسبب خلل في النظام الصحي.
علينا أن نمنع تكرار الوفيات، وخاصة بين مرضى الهيموفيليا، مثل الطفلين أيسر أبو العسل من طولكرم وهمام عسكر من ضواحي القدس، والأخوين عيد وإسماعيل الهذالين من جنوب الخليل، وجمال الوني من نابلس، وغيرهم الكثير.
لا أدعي أنني الأكثر معرفة أو خبرة في المجال الصحي أو في الهيموفيليا، لكن مع مرور ستين عامًا من العمر، وأكثر من ثلاثين عامًا في العمل التطوعي مع مرضى نزف الدم، أصبحت جزءًا من معاناتهم. بفضل تواصلي الدائم مع المرضى والجمعية الفلسطينية لأمراض النزف، إضافة إلى تعاملي مع المتطوعين ومقدمي الخدمات وصناع القرار، أستطيع أن أساهم بخبرتي المتواضعة في تقييم الاحتياجات والحلول في الظروف العادية وحالات الطوارئ. هل يدرك المواطن وصناع القرار ومقدمو الخدمات في فلسطين ما يعانيه مرضى الهيموفيليا في الضفة الغربية وقطاع غزة على مدار الساعة منذ عقود، وليس فقط منذ بدء الحرب على غزة؟
معاناة المرضى يمكن تلخيصها في عدة نقاط:
عدم وجود أطباء متخصصين أو أقسام دم متخصصة، سوء التشخيص والخلط بين أنواع نزف الدم المختلفة، نقص الأدوية (العوامل المخثرة) التي يحتاجها المرضى باستمرار منذ ولادتهم، غياب العيادات الشمولية لمتابعة المضاعفات، نقص الإمكانيات اللازمة لإجراء الجراحات المتخصصة، غياب برامج العلاج الطبيعي، وانعدام الدعم النفسي والاجتماعي. يجب على مقدمي الخدمات والمسؤولين الذين يدركون خصوصية وخطورة عدم توفر احتياجات مرضى نزف الدم، أن يوضحوا لصناع القرار أهمية وضع هذه الاحتياجات على سلم الأولويات، كما هو الحال مع الأمراض الأخرى.
ويجب أن يتم تضمينها في استراتيجيات عمل المؤسسات الرسمية وتحالفات المجتمع المدني. حان الوقت بعد طول معاناة أن يعمل جميع شركاء مجتمع الهيموفيليا، من مؤسسات المجتمع المدني، على توحيد خطابهم، ووضع خطة للعمل الجماعي من أجل الضغط على صناع القرار والمؤسسات الرسمية لتوفير الخدمات والاحتياجات بانتظام وديمومة، ضمن خطة استراتيجية مدعومة ماليًا.
* ناشط مجتمعي وإعلامي في مجال الحقوق الصحية، رئيس مجلس إدارة وأحد مؤسسي الجمعية الفلسطينية لامراض نزف الدم.