تعود قصة الأسعار في رمضان إلى الصدارة ميدانياً في السوق دون منازع، جرياً على العادة الفلسطينية، بحيث تشهد الأسعار في رمضان كل عام ارتفاعاً، وتثبت بعده على الارتفاع إن لم تزد أصلاً، ويصبح المستهلك الفلسطيني مضطراً لإعداد موازنة خاصة للشهر الفضيل، ليس إمعاناً في الإسراف، بقدر ما هو تعاطٍ مع متطلبات واقع السوق الرمضانية التي يكون لسان حالها "اللي معوش بلزموش" إلاّ أن رحمة ربنا أوسع وأشمل، بحيث تفتح في رمضان أبواب الخير على مصراعيها بصورة تتيح لمن ليس لديه باب آخر من حيث لا يحتسب.
لا أعرف ولم أستطع أن أعرف لماذا يصاب البعض بحالة رجاف من ذكر ارتفاع الأسعار في رمضان وكأننا نوزع تهماً مجانية، حقيقة الأمر أننا نرغب في أن نعيش خيبة أمل في واحد من الرمضانات في فلسطين، بحيث يجافي الصواب توقعنا بارتفاع الأسعار، والمشهد لا يحتاج إلى عبقرية كبيرة ولا بحث علمي، هو بحاجة إلى التوجه إلى السوق ومعرفة الحقيقة، والاستماع لحديث تجار التجزئة مثلاً لتعرف مدى الارتفاع الواقع في السلع الرمضانية.
من الأهمية بمكان التركيز على الأغذية الفاسدة ومنتهية الصلاحية والمهربة والحديث عن إشهار الأسعار والتركيز على خمسة وعشرين سلعة تعتبر أساسية في رمضان، لكن هذه واحدة من الأدوات لضبط السوق في رمضان وليس الأداة الوحيدة، فالأمر يتطلب تضافر الجهود من قبل وزارة الاقتصاد الوطني مع المحافظين والغرف التجارية الصناعية وفي قلب ذلك كله جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، بحيث تقوم كل هذه الأطراف بعمل مشترك تفعّل من خلاله الرقابة، وحملات التوعية، والقانون الرادع لمنع الاحتكار والغش التجاري والتلاعب بالأسعار، والجولات الميدانية ليست فقط في مراكز المدن بل يجب الوصول بجد واجتهاد إلى المناطق المصنفة (ج) والتي تشهد حالة من منافذ دخول السلع من إسرائيل والتي يشوبها ما يشوبها من ظواهر.
المطلوب أن يكون هناك في رمضان الخير والبركة حضور حكومي مادي ومعنوي ليطمئن المواطن إلى أن قوته مصان وأن أحداً لا يستفرد به في السوق وحيداً، وهذا يتطلب تفعيل أدوات الرقابة على السوق الفلسطينية وضبطها ومعاقبة المخالفين على قاعدة سيادة القانون واستقلالية القضاء.
وحتى لا نعود إلى مسألة اختراع العجلة، وحتى لا نعيد أسطوانة اقتصاد السوق القائمة على المنافسة وعدم تحديد الأسعار وعدم التدخل في آليات السوق، وحتى لا نعود لنزيح عن كاهلنا لنلقي على كاهل بروتوكول باريس الاقتصادي، نعود لنقول إن العدالة في السوق الفلسطينية يجب أن تكون عنوان الاقتصاد الفلسطيني بحيث تكفل للمستهلك حقوقه الأساسية وتوفر له الأدوات التي تحميها، إذ إن حركة حماية المستهلك العربية تتطلع إلى اقتصاد السوق الاجتماعية ذات طابع العدالة الاجتماعية الاقتصادية لنقض فكرة اقتصاد السوق.
لا يجوز أن تشهد السوق الفلسطينية هذا التفاوت الكبير في الأسعار للسلع نفسها بين محافظة ومحافظة، ولا أن تشهد تفاوتاً في الأسعار بين حي وحي في المدينة نفسها، ولا يعقل ألا تشهد إقبالاً على الصناعة الفلسطينية وخصوصاً الغذائية منها وعروضاً للمستهلك في الشهر الفضيل (باستثناء بعضها) أسوة بما يحدث في دول أخرى من حيث زيادة الكمية بالسعر نفسه أو تخفيضات على السعر أو إلحاق منتج من المنتجات مع منتج آخر من الشركة نفسها ليباع بسعر منتج واحد.
والسؤال الأهم لماذا لم تبادر البنوك الفلسطينية والعاملة في فلسطين لحملات تفسح المجال لتأجيل قروض شهرين من ضمنها رمضان بصورة لا ترتب على المستهلك إعادة جدولة أو فوائد جديدة ورسوماً.
في كل الأحوال سيهل هلال شهر رمضان ونصومه إيماناً واحتساباً وسنشد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك لمن استطاع إليه سبيلاً، وكلنا أمل أن تكون سوق فلسطين هذا العام مختلفة بشكل جذري من حيث الضبط والتنظيم والالتزام بحقوق المستهلك دون أي خسائر للتاجر والمصنع على قاعدة العلاقة المتوازنة التي ننشدها، لكن المقدمات الظاهرة لا توحي بخفض الأسعار أو وقوعها في خانة الحد المعقول.
الأسعار في رمضان.. عود على بدء ..... بقم: صلاح هنية