من المفيد أن نخوض في غمار رؤى اقتصادية في هذه الأيام التي تشهد أوضاعاً اقتصادية معيشية ومالية بالغة التعقيد والصعوبة.
(1)
للمرة العشرة بعد الألف نقول لا لعدادات الدفع المسبق في المياه ليس رغبة في أن نعلن هذا الأمر ترفاً أو قل كلمتك وانسحب بل من منطلق أننا نمتلك سنداً وموقفاً واضحاً ضدها ويجب أن نطرحه بقوة وكنا قد طرحناه مراراً باسم جمعية حماية المستهلك الفلسطيني والراصد الاقتصادي.
لقد ثبت من خلال الأزمة المالية التي عصفت بالوطن من خلال انقطاع الرواتب عن موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية أن عدادات الدفع المسبق في المياه والكهرباء كانت أكبر الهموم لدى الموظفين وأسرهم وشكلت هاجساً كبيراً لديهم، ومن ثم باتت الحسنات والصدقات توزع من البلديات وشركات الكهرباء وبعض البلديات التي اعتمدت هذه العدادات في المياه في قرى غرب جنين بشحن العدادات كدين مستحق على الموظف.
لقد ثبت من خلال دراسة أعدها مركز بيسان للدراسات التنموية أن تراجعاً قد وقع في استخدام المياه في القرى التي ثبت فيها عداد المياه مسبق الدفع حرصاً على ترشيد الاستهلاك الأمر الذي اثر على موضوع النظافة وهذا ليس تقليلاً من شأن أحد ولكن واقع شح المياه في فلسطين وأن يتبعه شح المرء على نفسه لأنه يحسب حساب شحن العداد لاحقاً.
لقد اعلن مسؤولو مرافق المياه في الوطن العربي أجمع وبلسان واحد انهم لا يتعاطون مع هذه العدادات في قطاع المياه وأنهم يتعاملون مع عدم التسديد بطرق اكثر واقعية وعلمية من خلال التنسيق مع الشؤون الاجتماعية وآليات إلزام متنوعة وعصرية. لقد قال لي مسؤول فرنسي في كبرى شركات تصنيع عدادات المياه أنه محظور أوروبياً تصنيع هذه العدادات لأنها تنافي المعايير الأساسية لحقوق الإنسان وحقه بالتزود في المياه كحق إنساني.
إن القصور في عملية جباية أموال ومستحقات المياه من المشتركين في بعض المجالس البلدية والقروية، وفي حالة الجباية يتم إنفاق أموال المياه المستحق دفعها لدائرة مياه الضفة الغربية يتم تغطية عجز بنود أخرى داخل بعض البلديات والمجالس القروية، ومن ثم يتفتق العقل الإداري في بعض هذه البلديات للبحث عن عدادات الدفع المسبق في المياه لتبرير حجم المديونية الكبيرة في مستحقات المياه فتتراكم الديون على البلديات والمجالس القروية نفسها وليس المواطنين.
من المؤسف أن يقوم باحث أو مجموعة باحثين بإعداد دراسة أو ما يسمى دراسة لصالح تبرير عدادات الدفع المسبق لسوء التحصيل بحيث يبرره كخيار وهو عملياً عقاب، ويقفز بالتالي عن التوعية والإلزام والتوجيه، وبالله عليكم قولوا لنا من يريد أن لا يدفع هل تختلف عنده الأمور بين الدفع المسبق والعداد الفاتورة من التجربة لا ومليون لا.
إن الذين يبررون عدادات الدفع المسبق في المياه في البلديات والمجالس القروية هم الذين يريدون تبرير وظائفهم ورواتبهم ليس إلا، وهذا ليس استنتاجاً وإنما نتاج ملاحظات واضحة وجلية لدينا في جمعية حماية المستهلك الفلسطيني.
(2)
في ضوء دعوة الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية كانت جمعية حماية المستهلك الفلسطيني تحث الخطى ووزعت رقاع الدعوة لعقد ورشة عمل متخصصة بعنوان ( دولة فلسطين: أين وصلت جودة المنتجات والسلع في أسواقها) بالتعاون والتنسيق مع القطاع الخاص الفلسطيني وبرعاية كريمة من شركة فلسطين لصناعة اللدائن، والتعاون مع وزارة الاقتصاد الوطني ومؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية ووزارة الزراعة، وجامعة القدس المفتوحة.
هذا التزامن بين الدعوة للمقاطعة وانعقاد الورشة شكل لها محفزاً للتعمق في إثبات جودة المنتجات الفلسطينية، فأدلت بدلوها وزارة الاقتصاد الوطني ومؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية عن آليات عملها من أجل الاستمرار بتحفيز معايير الجودة في المنتجات الفلسطينية والتركيز على آليات المتابعة. وفي ذات الوقت قدم القطاع الخاص الفلسطيني نماذج من استمرار تركيزه على جودة المنتجات وسلامتها للمستهلك الفلسطيني ليس من باب الرفاهية ولكن من باب الضرورة والالتزام كواحد من مقومات الصناعة في فلسطين، فاستمعنا للاستثمارات في الجودة على مدار العام 2012 التي وصلت إلى 53 مليون دولار في الصناعات الدوائية الفلسطينية وحدها وحصولها على علامات التصنيع الجيد والايزو ووجود مصانع أوروبية تصنع لديهم في المصانع الفلسطينية، واستمعنا إلى معايير متقدمة في جودة وسلامة المياه المعبأة في عبوات وآليات التعاطي مع معايير الجودة في هذا القطاع، واستمعنا إلى معايير الجودة في صناعة الأعلاف ومسالخ الدواجن الحديثة وتفاجأنا أن واحداً من المسالخ الحديثة ينفق 15 لتراً من المياه لتنظيف الدجاجة الواحدة، واتباع المواصفة الفلسطينية بعدم إدخال مدخلات يوانية في إنتاج الأعلاف عكس ما يحدث في الأعلاف غير الفلسطينية، واستمعنا إلى شرح مفصل عن تجربة بلدية نابلس في الحفاظ على جودة وسلامة مياه الشرب التي تضخ للمواطنين المشتركين في شبكة المياه في المدينة، وختمنا بالحديث حول دور الإعلام في مجال الترويج والتعريف بالمنتجات الفلسطينية وجودتها.
النقاش كان غنياً بين خلفيات مختلفة للحضور من محامين ورجال أعمال ومهندسين وأطباء وصيادلة وطلبة جامعات من جيل الشباب وموظفين عمومين واتحادات صناعية وجمعيات تطوعية وكانت الأسئلة تصب جميعها في التأكد من حجم المعلومات التي ضخت في الورشة من حيث الجودة، وعن آليات تطوير السلوك الاستهلاكي للمواطن الفلسطيني باتجاه المنتجات الفلسطينية، وآليات جمعية حماية المستهلك الفلسطيني لتشجيع المنتجات الفلسطينية وتوعية المستهلك، وآليات جمعية حماية المستهلك الفلسطيني للتقدم بشكاوى حقوقية جماعية تكفل حق المستهلك الفلسطيني. لعلنا نستطيع القول إن خاتمة نشاطات الجمعية في للعام 2012 كانت بمستوى عال من التركيز وجودة المواضيع وكثافة ونوعية الحضور الذين تمتعوا بقدرات عالية على تقديم المداخلات والنقاش الثري في إطار موضوع البحث والنقاش.
ورغم أن الإعلام الاقتصادي المقروء لم يتابع وقائع هذه الورشة في التغطية أو التعقيب حولها رغم الحقائق التي طرحت وحجم النقاش الذي طرح حول محتوى الأوراق التي قدمت، إلا أنها بقيت مثار تداول في الأوساط المختلفة ولقيت تعليقاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر الرسائل الإلكترونية التي بلورت اقتراحات على خلفية هذه الورشة من مختصين ورجال أعمال أكاديميين.
*رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني
[email protected]
تاريخ نشر المقال 25 كانون الأول 2012
رؤية اقتصادية ... لا لعدادات الدفع المسبق في المياه .... بقلم صلاح هنية