ونحن في خضم الذكرى الثامنة والأربعين لانطلاقة الثورة الفلسطينية، وستكون الاحتفالات بهذه الذكرى حافلةً بالشعارات المركزية عن: الدولة، والعودة، والقدس، والمقاومة الشعبية السلمية، والمناهضة لجدار الفصل والعزل والاستيطان كعقبة أمام حل الدولتين، وحتماً سيغيب الحديث عن اقتصاد فلسطيني مستقل قوامه مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وتشجيع البديل الفلسطيني عالي الجودة والسعر المنافس في زحمة الحديث السياسي.
وحتى تعود الصورة في الانطلاقة إلى شموليتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتربوياً وثقافياً، سنركّز هنا على الجانب الاقتصادي، وحتى نذكّر، فقد ركّزت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ـ وبشكل خاص حركة فتح ـ على إطلاق حملات لتشجيع المنتجات الفلسطينية على حساب المنتجات الإسرائيلية، ونظّمت الجولات وثبتت الملصقات في المحافظات التي تدعو إلى هذا الاتجاه، إلاّ أن هذا الأمر لم يتحوّل إلى سياسة ثابتة لدى الفصائل، وخصوصاً حركة فتح، وهذا ما انعكس على طبيعة التعاطي عملياً مع هذا الشعار.
اليوم، بإمكان ذكرى الانطلاقة (ولم يفت الوقت) أن تجعل "مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ودعم البديل الفلسطيني" شعاراً مركزياً لها، ومن ثم الاتجاه نحو الممارسة الفعلية، خصوصاً أن قراراً حكومياً أعلنه الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء يصب في هذا الاتجاه، ويعتبر نقل هذا العمل من الشعار والحملات إلى سياسة وإستراتيجية وطنية معتمدة ومتبعة في كافة مفاصل النظام السياسي الفلسطيني وأحد أهم مكوناته فصائل العمل الوطني، وقد يكون الرهان على حركة فتح أكبر في هذا المجال، لينسحب هذا الأمر على الوزارات والبلديات والمجالس القروية ودائرة العطاءات المركزية ودائرة اللوازم العامة ليصبح نهج عمل وتوجهاً منصوصاً عليه ضمن نظام يشكل لوائح تنفيذية تضبط مسار هذا العمل.
في ذكرى الانطلاقة الثامنة والأربعين لا يبدو هذا الأمر ضرباً من الخيال، خصوصاً أن عاتق أهل الانطلاقة قابل لحمل عبء هذه المهمة، ولا يجوز أن تظل هذه المهمة بعيدة عن أولوياتهم، وأزيد إن هذا ليس خياراً أو اقتراحاً بل هو أمر واجب النفاذ؛ لأن كل الحملات التي أطلقت بعيداً عن أهل الانطلاقة كان مآلها "حملة وتنتهي"، ولعل تجربة العام 2001 وحمل النائب الأسير مروان البرغوثي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح على كتفيه هذا الملف مع انطلاق انتفاضة الأقصى وسعيه إلى زج القطاع الخاص الفلسطيني بكافة مكوناته وقطاع الشباب والمرأة والفصائل والوزارات في هذه المهمة وجعلها سياسة ممنهجة جعل هذا الملف يلقى قبولاً، وبات مثار نقاش مع التجار والموردين والصناعيين من حيث آلية التنفيذ وأسس الحفاظ على الجودة وحقوق العمال والعاملين في القطاع الصناعي والخدماتي والحد الأدنى للأجور، بحيث لا تنفرط المسبحة كما كان البرغوثي يرى أن إخلاء السوق أمام المنتجات الفلسطينية لا يعني أن نغفل معايير الجودة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحقوق المستهلك الفلسطيني.
ويجب أن يتواكب مع هذا التوجه أوسع حملة توعية مجتمعية تخوضها مؤسسات المجتمع المدني لتوجيه السلوك الاستهلاكي للمواطن الفلسطيني باتجاه المنتجات الفلسطينية ودعمها وتشجيعها وإحلالها في السوق الفلسطينية، بحيث يصبح الضغط الشعبي واسعاً باتجاه (اشتري فلسطيني) وهذه مهمة توعوية لن يخوضها طرف وحده أو مؤسسة مجتمع مدني وحدها وليست مجالاً لادعاءات بطولة غير منجزة.
ويجب أن يواكب هذا التوجه دور واسع للإعلام الفلسطيني من أجل التوعية الشاملة تحت شعار (اشتري فلسطيني)، والمساهمة في توجيه سلوك المستهلك باتجاه التوجه إلى المنتجات الفلسطينية.
في هذا الإطار، يجب أن نستدفئ بتوجيهات رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض باتجاه مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ونحولها إلى إستراتيجية عمل على المستوى الشعبي بصورة تجعل المنتج الفلسطيني يصبح الرقم واحد على الرف في السوق وهو الأكثر طلباً، ولعلنا يجب أن نراجع أدبيات العمل الشعبي في هذا الاتجاه من كافة أرجاء العالم لتشكل منارة لنا في هذا العمل.
وخاتمة القول إن ذكرى الانطلاقة يجب أن تشكل مفصلاً مهماً من مفاصل العمل الشعبي باتجاه تفعيل الشعار ضمن شعارات الذكرى، لعلها تساهم من خلال العمل الوطني في تحقيق اختراق باتجاه اقتصاد وطني فلسطيني قوي مستقل عن التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، وأهل الانطلاقة يجب أن يعرضوا أكتافهم لتحمل عبء هذا المشروع الوطني بامتياز أسوةً بما قام به أهل الانطلاقة على مدار مراحل مفصلية في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني خصوصاً عندما دمجوا النضال الوطني بالنضال الاقتصادي وهذا ما يجب أن يقع في الذكرى الثامنة والأربعين للانطلاقة.
الانطلاقة والمنتجات الفلسطينية
بقلم: صلاح هنية