البعض قال إن الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء صعد إلى أعلى الشجرة ولم يعد يجد سلماً للنزول ولا مجال للهبوط الاضطراري المدمر ....
البعض قال إن هذا القرار مسعى لإيجاد شعبية للحكومة ككل بات موضع تساؤل.
البعض قال إن الآتي الأعظم عنوانه عدادات الدفع المسبق التي تدفع الناس لتدفع ثمن خدمة قبل تلقيها دون أي ضمان بخصوص جودة الخدمة واستمرارها وهذا ينطبق على المياه ايضا خصوصا أن المصدر ليس باليد.
البعض قال إن الموضوع يتعلق بتوجه لجعل جيوب المواطنين الخاوية أصلا ممولا لسوء إدارة قطاع الكهرباء والمياه وعدم الالتزام بتنظيم قطاع الطاقة.
البعض رأى أن القرار يسعى لتبرير تأسيس شركة توليد كهرباء فلسطينية في محافظات الضفة الغربية من قبل ذات المستثمرين في كهرباء غزة وستدور الدائرة ونعود لدعم السولار مجانا لهذه الشركة المتوقعة.
البعض رأى أن الحكومة لا تمتلك تفصيلا لمديونية الشعب، بالتالي هي تعتبر الكهرباء ديونا معدومة وتريد شطبها من الدفاتر فقط.
البعض رأى في القرار مكافأة للمتخلف عن الدفع وإحباطاً للملتزم بالدفع.
البعض رأى في القرار عدلا مفرطا وإنفاذاً للقانون بصورة عادلة على الجميع ووقفا لحالة الدعم العشوائي للكهرباء.
البعض رأى أن فرد العضلات جاء بنتيجة في الكهرباء فلماذا لا نتمادى في مجال المياه ومستحقات البلديات طالما أن حكومتنا كريمة.
الشاب الذي كنت ارافقه المسير الخميس الماضي قال لي: عندما حولت إسرائيل اموال الضرائب لصالح ديون الكهرباء جاؤوا إلى قريتنا عشان يلموا ديون ويقطعوا الخدمة عن اللي ما بدو يدفع ... قمنا طردناهم وولعناها على راسهم.
كل هذه التوقعات والتخمينات جاءت على خلفية تصميم الحكومة على وقف النزيف في قطاع الكهرباء ووقف هدر المال العام والتوقف عن المطالبة بالفواتير القديمة للملتزمين بالدفع بدءا من الشهر الحالي كانون ثاني 2013.
بعيدا عن كل هذا نستعرض مجموعة من الحقائق الرقمية عن قطاع الكهرباء في دولة فلسطين هناك 810 مليون شيكل قيمة الديوان المتراكمة نتيجة لعدم التسديد وثقافة عدم الدفع.
وليكن معلوما أن مديونية المخيمات هي الاقل في هذا المبلغ رغم التضخيمات لصالح اخفاء المديوينيات في مدن وقرى نتيجة لسوء الادارة في هذا القطاع ونتيجة لرفض الالتزام بعملية تنظيم قطاع الطاقة التي تقضي بوجود مجلس تنظيم قطاع الطاقة وشركات كهرباء، ونتيجة لاستخدام اموال الكهرباء في بعض البلديات لتسديد بند الرواتب أو العجز في بنود أخرى.
210 ملايين شيكل قيمة الديون أو ما يسمى الفاقد المالي نتيجة التعديات على الشبكة والسرقة من خلال التلاعب بعدادات الكهرباء.
وحتى أكون امينا فأنا بحكم ترؤسي لجمعية حماية المستهلك الفلسطيني ومؤسسة الراصد الاقتصادي لست بعيدا عن هذه الارقام بالمطلق، فقد ناقشناها مرارا وتكرارا مع سلطة الطاقة الفلسطينية ومع كهرباء الخليل ومع شركة كهرباء الشمال، ومع شركة كهرباء محافظة القدس، ومع شركة كهرباء الجنوب، كلا على حدة ومجتمعين في ورشتي عمل عقدنا واحدة منها حول ( دور الطاقة في تنمية الاستثمار العقاري والصناعي) وكانت في ايار 2011 ويومها ضغطنا من خلالها لإقرار التعرفة الموحدة التي كانت قيد البحث وبعدها باسبوع تم اقرار التعرفة، وبعدها باسبوع تسنى لي لقاء رئيس الوزراء وكانت اريحا والأغوار تعج غضبا بخصوص التعرفة، يومها شكرته على اقرار التعرفة سريعا جراء مناشدتنا في الورشة التي عقدت من قبلنا في رام الله بمشاركة كافة الشركات، ويومها حفظت عن ظهر غيب قصة اريحا والاغوار، وبعدها توجه إلى اريحا وأجرى تفاهمات معهم على قاعدة أن اريحا لها امتياز خاص لأنها منطقة تطوير ( أ) خصوصا الأغوار فيها وفي طوباس، وأذكر كيف عوتبت بطريقة محببة من شركة كهرباء القدس على الأمر لأن الدكتور فياض طلب رغم ارتفاع التكلفة البيع بسعر اقل في تلك المناطق.
والورشة الثانية عقدناها في حزيران 2012 في البيرة وكانت عن النقص المتوقع في التزود بالكهرباء من المصدر نتيجة ازمة الغاز المصري وغيرها وما هي الجاهزية لهذا الامر، وقد لمسنا أن لدينا شركات جاهزة وفاعلة وجرى نقاش موضوع الطاقة الشمسية، وتم نقاش المديونية وقضايا الفوترة والاسعار، وعدم التشدد في التحصيل من الممتنعين عن الدفع، ومساواة الملتزم بغير الملتزم.
كثيرا ما يثار نقاش من هذا النوع مع الحكومة ويكون عنوان النقاش لدى الطرف غير الحكومة ( والله أن الحل ليس في جيبنا وليس لدينا لننقذكم به ولا نخفيه عنكم، معاذ الله ولكن عليكم أن تتدبروا أمركم ).... عذرا سأخرج عن هذا النمط من النقاش وسأناقش بما استطيع إليه سبيلا:
أولا: لم تعلن الحكومة تفاصيل الاتفاق مع اللجان الشعبية في المخيمات ولا مقدماته ولا نتائجه، وعدم الاعلان للتفاصيل اوقع الحكومة في المحظور.
ثانيا: أن منطق اعفاء غير الملتزمين والتفكير بأمر الملتزمين كيف نكافئهم ولكن ما زالت المكافأة وتارة المفاجأة لهم غير واضحة، فتح الباب على مصراعيه لتفكير سلبي مطلق هز اركان المواطنة وقناعات لدى جزء ليس بسيطا من الناس بقدسية وحرمة المال العام.
ثالثا: غياب أي رادع مستقبلي يمنع عدم الالتزام والاعتداء على الشبكة والتلاعب بالعدادات، وبما أن الكرم الحكومي حبل جرار بالتالي ما هي الضمانات لرادع مستقبلي؟.
حتى نخرج من هذه الدائرة المغلقة نقول:
أولا: لا يجوز الاعلان من قبل الحكومة بقرار الاعفاء أو التوجه للاعفاء قبل الحصول على قيمة المبلغ الذي سيتم الاعفاء منه طالما أن لدينا جهة اختصاص تصدرها بكبسة زر.
ثانيا: إعادة تشكيل مجلس تنظيم قطاع الطاقة وتخفيف حمله من كبار الموظفين الحكوميين وزيادة حصة الخبراء والذين يمتلكون حساسية مفرطة لحقوق المشتركين في الشبكة على اختلاف فئاتهم.
رابعا: يجب أن يتوقف الدعم العشوائي لقطاع الكهرباء بمعنى اعفاء غير الملتزم عبر الغطرشة ولنرى عبرة نعتبر بها امام اعيننا دون أن نرى عمال شركة الكهرباء يضربون هنا ويعتدى عليهم هناك.
خامسا: العودة للالتزام الحديدي بالتعرفة الموحدة للكهرباء وتنفيذ توحيد تكاليف التوصيل والتركيب الكهربائي الذي لم يتم الالتزام به لغاية الآن التزاماً بحقوق المستهلك.
سادسا: يجب أن يكون واضحا أن الكرم الحكومي لا يشمل الشركات والمصانع والمؤسسات التجارية غير الملتزمين بالدفع.
سابعا: يجب الا تمنح شركات الكهرباء شعورا للحظة أنها فوق المساءلة خصوصا عندما تصبح هناك قضايا جماعية واضحة المعالم يجب التعاطي معها بشفافية وضمن القانون وليس بالضغط والتأثير على المواطنين الغلابا، ولقد تدخلت بحكم ترؤسي لجمعية حماية المستهلك الفلسطيني بمثل هذه القضايا.
ثامنا: يجب تفعيل آليات التعاطي مع شكاوى الجمهور في قطاع الكهرباء وانا اعرف بحكم الاختصاص بوجود وحدة شكاوى في مجلس تنظيم قطاع الطاقة الا أن الأمر يحتاج لتواصل وقصص نجاح تطمئن الجمهور.
تاسعا: يجب الزام المطورين العقاريين بمتطلبات الربط والتوصيل الكهربائي وعدم تأجيل الكهرباء والمياه إلى ما بعد اتمام البناء بصورة تسبب اشكالية لدى شركات توزيع الكهرباء ومرافق المياه في الوصل والربط، خصوصا إذا لم يتم توفير موقع مناسب لمولد الكهرباء ولم يتم وضع البناء ضمن خطة وأولويات الشركات ومرافق المياه، وهناك شواهد ماثلة في عدد من المدن اتم فيها البناء ولم يتم التواصل مع شركات الكهرباء.
عاشرا: يجب أن يكون قطاع الطاقة أكثر حساسية لمتطلبات ضخ المياه من الآبار التابعة لدائرة مياه الضفة الغربية، من حيث منحها الأولوية للتوصيل والربط الكهربائي.
[email protected]
www.pcp.ps
تاريخ نشر المقال 05 كانون الثاني 2013
سنوفر للحكومة سلما للنزول عن الشجرة على حساب شعبيتها..... بقلم صلاح هنية