تلقينا في جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، على مدار الأسبوعين الماضيين، عديد الشكاوى، جميعها يتعلق بسوء استخدام الصلاحيات، اعتماداً على مبدأ أساسي وقاعدة ذهبية باتت معتمدةً في دولة فلسطين (جيوب المواطنين الفارغة بديلاً عن الحوكمة والشفافية والمساءلة في العمل المؤسسي)، وجوهر الشكاوى يتعلق بسؤال مركزي مفاده (أين السند القانوني؟ أين الأنظمة والتعليمات التي تشرع هذا الأمر)، وللأسف الشديد عندما نراجع في هذه الشكاوى، يكون الجواب أن ضرورات العمل تتطلب هذا الإجراء فقط، دون أي إشارة لمرجعية قانونية.
وفي مجمل هذه الشكاوى يتضح أمران مهمان يجب التركيز عليهما وجعلهما قاعدةً أساسيةً في العمل المؤسسي، الأمر الأول، أن القرار السيادي للمؤسسات في كافة القطاعات يجب أن تتخذه المؤسسة ضمن معايير سيادية تضع ضمن أولوياتها مصلحة مواطنيها ومشتركيها والمستفيدين من خدماتها. الأمر الثاني، لا يجوز أن تكون جيوب المواطنين الفارغة بديلاً عن سوء إدارة أو عجز مالي في هذه المؤسسة أو تلك بحيث تصبح جيوب المواطن الخاوية ممولاً لهذا العجز الناتج عن سوء الإدارة.
جوهر الشكاوى الموجهة إلينا في جمعية حماية المستهلك يوضح أن الإجراء يُتخذ فقط لإنقاذ وضع قائم، لكن أحداً لا ينظر قبل أن يمسك المواطن من يده التي تؤلمه إلى الرواتب المرتفعة والتوظيف غير المبرمج ضمن تشكيلات إدارية واضحة المعالم، ونقفز للاستقواء على المواطن الضعيف لأن مطوراً عقارياً محترماً أنهى مشروعه الاستثماري وباعة بمبلغ وقدره ولم يسدد مستحقاته المالية لمرفق المياه في هذه المحافظة أو تلك، ويأتي مرفق المياه ليلوي يد المواطن الضعيف المرهق بالديون التي تراكمت عليه والذي يحمل أثاث بيته القديم ليستر نفسه ومن ثم يخضع لشروط الرهن العقاري والفوائد التي تقصم الظهر، ومن ثم يفاجأ بأنه مطالب بالتسديد للمياه نيابةً عن المستثمر، ترى أين الشفافية أين المعايير والإجراءات المحوكمة في مثل هذا القرار، وهل يوجد أمام المواطن الضعيف إلا الإذعان طالما ليس له من ينتصر له.
المؤسف أن تذيل هذه الشكاوى من قبل جهة الاختصاص بالمتابعة في الجمعية على النحو الآتي: أبلغنا أن جميع ديون مصلحة المياه تتراكم من خلال ديون المسافرين خارج الوطن والذين توفاهم الله مما يضطرنا لاتخاذ إجراءات كهذه، ولكننا يا سادة يا كرام نحن لا نتحدث عن هؤلاء، بل نتحدث عن أشخاص معاملاتهم مستمرة معكم وهو موجودون وليسوا مسافرين وليسوا ممن توفاهم الله بل مستمرون بأعمالهم لماذا لا توقفوا لهم معاملة لحين تسديد حقوق المعاملة السابقة.
في سياق متصل، وصلتنا شكوى أخرى مفادها أن إحدى البلديات قبل أيام أضافت إلى فاتورة المياه نصف شيكل يومياً مقابل جمع النفايات؛ الأمر الذي ضاعف مستحقات جمع النفايات على المواطن، وفي هذا الإطار يحضر القرار السيادي، بمعنى أنه لا يجوز لجهة مانحة أن تضع المعايير كيف نجبي الأموال المطلوبة لديمومة العمل في هذا المشروع أو ذاك دون التعاطي الحساس مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية وآثارها على المواطن. وهذا ما حدث قبل أعوام في أحد مرافق المياه الذي قام بجباية خدمات الصرف الصحي لصالح محطة تنقية المياه العادمة نيابةً عن البلديات، بحيث يتم ربط كمية المياه المصروفة بحجم الشراكة في شبكة الصرف الصحي، وكان ذلك بناء على طلب تقرير للبنك الدولي وليس بناء على قرار سيادي لمرفق المياه نفسه.
كما وردت الجمعية في الآونة الأخيرة عدة شكاوى تتمحور حول فواتير بعض محلات السوبرماركت في دولة فلسطين كون هذه الفواتير مطبوعة باللغة الإنجليزية فقط وليست باللغة العربية.
أحد المشتكين يقول: "... ولكن للأسف تفاجأت بأن هذا الوصل أو الفاتورة باللغة الانجليزية فقط وأنا لا أعرف الإنجليزية ولا أستطيع ممارسة حقي في تدقيق مشترياتي المكتوبة في الفاتورة".
بكل تواضع طوّرنا آليات التشاكي لدى المستهلك الفلسطيني ونجحنا في حثه على الشكوى والمطالبة بالحق بعد أداء الواجب، ولكننا اصطدمنا بإجابات تقليدية من كافة الجهات المسؤولة كمؤسسات حكومية أو شبه حكومية، لا توضح ولا تمتلك الجرأة والشجاعة للتراجع عن خطأ بقدر ما تبرر ما قامت به تحت شعار "عنزة ولو طارت".
وجدنا أن تلك التطويرات التي تجريها المؤسسات الدولية في النفايات الصلبة أو محطات التنقية أو شبكات الصرف الصحي أو إصلاح قطاع المياه أو إصلاح قطاع الطاقة أو إصلاح قطاع الطابو وتسجيل الأراضي أو الإصلاح الضريبي أو إصلاح قوانين الشراء الحكومي أو إصلاح قطاع المواصلات جميعها تقود إلى زيادة التكاليف على المواطن لتحسين الجباية فقط، فتحسين خدمات جمع النفايات مثلاً يزيد التكلفة وبما أن البلديات غير جاهزة لتوائم نفسها مع متطلبات هذا المشروع وتستخدمه أداة لزيادة التكاليف على المواطن بحجة أن "نصف شيكل يومياً مش راح تفرق معه"، تماماً كما هي معادلة زيادة عشرة دنانير للساعة المعتمدة في الجامعة لا تعني شيئاً بالنسبة للطلبة.
ترى لماذا نقاد رغم أنفنا للاحتجاج؟
ترى لماذا نخلق مناخاً لبعض الجاهزين بنعت كل مؤسسات الوطن بأقصى النعوت، وهم مستنفرون وهم جاهزون ليلعنوا الوطن ويلعنوا أنفسهم إذا لم يجدوا من يلعنوه؟
ترى لماذا يستمتع البعض بإذعان مراجع له رغم أنفه: اذهب الدفع قبل كل شيء، هل دوركم هو خلق إذعان وتضييق على المواطن أم أنكم في خدمة المواطن؟
لماذا نماطل بخصوص تفعيل مجلس المياه الوطني الذي يجب أن يضطلع بمسؤولياته تجاه التعرفة المائية وتجاه إنشاء مرافق مياه في الشمال والجنوب والوسط قائمة وفي قطاع غزة قائمة، لتطوير آليات الجباية بعيداً عن تعذيب الناس والضغط النفسي عليهم.
ولا يزال النبش في ملف الشكاوى والمتابعات القائمة عليها مستمراً ولن ندخر جهداً في هذا المجال مؤمنين بالحركة الفلسطينية لحماية المستهلك أن هناك مبادئ وقواعد ناظمة لعملنا على المستوى الدولي والعربي والفلسطيني، فنحن لم نكن ولن نكون يوماً عشوائيين أو فوضويين، ويجب أن نتواصل مع أولئك الذين ندعي تمثيلهم ولكن لن تأخذنا العزة بالإثم لأن المستهلك دون صناعة وتجارة فلسطينية قوية ودون استثمار فلسطيني وبشراكة عربية أيضاً ودون مرافق مياه ومرافق كهرباء ومؤسسات اتصالات ونظم معلومات لن يكون هناك مستهلك، ولن تأخذنا العزة بالإثم لنقول إن كل مستثمر محتكر وكل تاجر يظلم المستهلك، ولكننا نقيم كل حالة بحالتها ولا نمتلك حكماً قيمياً مسبقاً ننمط من خلاله الناس ونحمل سيفاً من خشب لا يشفع ولا ينفع.
[email protected]
www.pcp.ps
تاريخ نشر المقال 26 كانون الثاني 2013
نبش في ملف شكاوى جمعية حماية المستهلك
بقلم: صلاح هنية