كتب جعفر صدقة: قال وزير المالية الدكتور نبيل قسيس، أمس: إن الوزارة تُعد موازنةً عامةً للعام 2013 بنحو 6ر3 مليار دولار، يصل العجز الجاري فيها (الفرق بين الإيرادات والنفقات الجارية) إلى 375ر1 مليار دولار، يتوقع أن يُغطى مليار دولار منه بمساعدات من المانحين، ما يعني وجود فجوة تمويلية بقيمة 375 مليون دولار، تدرس الحكومة عدة وسائل لتوفيرها. وبحسب قسيس، فإن هذه الوسائل هي: أولاً، زيادة الجهد لتوفير قدر أكبر من المساعدات الخارجية، وثانياً، زيادة الإيرادات العامة، وثالثاً، خفض النفقات، مؤكداً أن الإجراءات المتداولة في إطار خفض الإنفاق ما زالت عبارة عن "توجهات" ولن تقر إلا بعد التشاور مع جميع الأطراف ذات العلاقة. فعلى صعيد المساعدات الخارجية، قال قسيس، في لقاء مع صحافيين: إن الحكومة تتوقع مساعدات مماثلة للعام 2012 (800 مليون دولار) إضافة إلى 200 مليون دولار مساعدة أميركية جمدها الكونغرس العام الماضي، "وسنسعى للحصول على المزيد من هذه المساعدات لجسر الفجوة التمويلية، وبالقدر الذي ننجح فيه بالحصول على المزيد من هذه المساعدات؛ ستكون الحاجة أقل إلى الإجراءات في ضغط الإنفاق". وأضاف: تقديراتنا لما هو ممكن من المساعدات الخارجية المحتملة هو أن تأتينا مساعدات مماثلة للعام الماضي، حيث وردنا 800 مليون دولار، ولو وصلت المساعدة الأميركية (200 مليون دولار) لكان إجمالي المساعدات مليار دولار، وهذا ما نتوقعه للعام 2013، ما يعني فجوةً تمويليةً بمقدار 375 مليون دولار". وتابع: لنا حق في المساعدات الدولية، فحتى الدول المستقلة منذ سنوات طويلة، والتي تعيش مستوى اقتصادياً مماثلاً للاقتصاد الفلسطيني، تحصل على معونات من الدول الغنية. حتى لو انتهى الاحتلال غداً وأقيمت الدولة الفلسطينية المستقلة، ستبقى بحاجة إلى مساعدات خارجية إلى حين الوصول إلى وضع يمكّنها اقتصادها من الاستغناء عن هذه المساعدات". وفي رده على سؤال بشأن مؤشرات إيجابية على تحسن مستوى المساعدات هذا العام، قال قسيس: "لا نستطيع كوزارة مالية وضع موازنة دون معطيات ملموسة. نعم، هناك مؤشرات سياسية، لكن مسؤولية وزارة المالية وضع موازنة بناء على معطيات يمكن ترجمتها إلى أرقام. من مسؤولية الحكومة العمل بناءً على توقعات معقولة". أما على صعيد زيادة الإيرادات، قال قسيس: إن الحكومة تستهدف رفعها بنسبة 10% خلال العام 2013، دون اللجوء لزيادة الضرائب، وإنما عن طريق تحسين الجباية، وتوسيع القاعدة الضريبية، والحد من التهرب، مؤكداً "لا ضرائب جديدة باستثناء القرار الذي اتخذ برفع الجمارك على السيارات ذات المحرك سعة 2001 سي سي فما فوق بنسبة 25% من 50 إلى 75%". أما على صعيد خفض الإنفاق، وهي الوسيلة الأكثر إثارة للجدل من بين الوسائل التي تبحث فيها الحكومة لسد ما يتبقى من عجز في الموازنة بعد المساعدات، فقد أكد قسيس أن أي إجراءات في هذا الإطار يجب أن تتوافر فيها أربعة شروط، هي: أولاً ألا تمس الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين، وثانياً ألا تمس الأسر الضعيفة المستفيدة من شبكة الحماية الاجتماعية، وثالثاً ألا تتضمن خفضاً للرواتب، وخصوصاً أن جزءاً منها متدن أصلاً، ورابعاً أن تكون هذه الإجراءات مقبولة على نطاق واسع. وأضاف: لكل هذا لا يجوز أن تكون هذه الإجراءات بقرار فوقي من الحكومة، وإنما نتاج حوار ومشاورات مع مختلف الأطراف. وتابع: توسيع المشاركة في النقاش حول هذه الإجراءات لا يهدف إلى توفير شبكة أمان للحكومة، وإنما لأن الوضع صعب وهو بحاجة إلى تضافر جهود الجميع. ومع ذلك، قال قسيس: إن ضغط النفقات يعني بالضرورة المس بالجهات التي تتعامل معها السلطة، "وبالتالي، لم تكن يوماً ردود الفعل على مثل إجراءات كهذه إيجابية". ومن ضمن الإجراءات المحتملة تجميد الزيادة السنوية الدورية للموظفين، وكذلك بدل غلاء المعيشة، وضبط التوظيف، ووقف رواتب الموظفين الوهميين، وخفض صافي الإقراض (الديون المستحقة للحكومة على الهيئات المحلية بدل فواتير الخدمات، وخصوصاً الكهرباء، التي تخصمها إسرائيل من عائدات المقاصة)، والتقاعد المبكر، والذي أكد قسيس أن "تطبيقه غير ممكن دون نقاش" مع كافة الأطراف ذات العلاقة. وقال وزير المالية: إنه التقى نقابة العاملين في الوظيفة العمومية في وقت مبكر "ووضعتهم في صورة الوضع، وأطلعتهم على التوجهات دون الخوض في تفاصيل، واستمعت إلى اقتراحاتهم". كذلك، قال قسيس: إنه اجتمع بمجموعة العمل الخاصة بالموازنة والشؤون المالية والاقتصادية في المجلس التشريعي، وقدم شرحاً عاماً حول توجهات الموازنة العامة للعام 2013، وأجاب عن أسئلة أعضائها. وأضاف: هذا التوجه (توسيع الحوار) أراه ضرورياً، ولكن يجب أن يكون ممنهجاً بشكل أكبر. نحن نحاول السير باتجاه يحظى بتوافق. ووصف قسيس الوضع المالي للسلطة الوطنية بأنه "ما زال صعباً، فلدينا موازنة تشغيلية مضغوطة. النفقات تفوق الإيرادات بشكل كبير وعلينا العمل كما في كل عام لتغطية العجز. هذا الوضع يتطلب قرارات وإجراءات نعتقد أنها ستحظى بقبول واسع". وقال وزير المالية: إن إجراءات خفض الإنفاق "لن تكون بالضرورة مؤلمة، وإنما هناك واقع علينا التعامل معه كأي تحد آخر. هذه الإجراءات يمكن ألا تطبق بالقدر الذي نرغب، ولهذا سنزيد الجهد لحشد المزيد من المساعدات الدولية. ما قد نتخذه من إجراءات لا يعفي الدول المانحة من المسؤولية". وأضاف: الهدف توفير نحو 350 مليون دولار لجسر الفجوة التمويلية المتوقعة، أمامنا ثلاثة مصادر لذلك: الحصول على قدر أكبر من المساعدات، وزيادة الإيرادات، وخفض النفقات. وفي هذا السياق، أعرب قسيس عن أمله أن تلتزم الدول العربية بقرارات القمم المتلاحقة بتقديم مساعدة شهرية للسلطة بقيمة 55 مليون دولار، إضافة إلى تفعيل شبكة الأمان العربية للسلطة بـ100 مليون دولار في حال احتجزت إسرائيل عائدات المقاصة. المصالحة هدف أسمى من الموازنة ورجح قسيس إصدار ملحق للموازنة العامة لمواجهة أي كلفة مالية محتملة في حال إتمام المصالحة، خصوصاً أن المصالحة ستفرض على الأرجح استيعاب الموظفين الذين عينتهم الحكومة المقالة في القطاع على مدى خمس سنوات. ورداً على سؤال بهذا الشأن، قال قسيس إن الموازنة العامة للعام 2013 بُنيت على أساس استمرار الوضع القائم، والذي يتسم بمعطيين "الاحتلال مستمر، والانقسام لم ينته، لكن السؤال هل يجوز أن تشكل الموازنة حائلاً دون إتمام المصالحة؟ الجواب بالتأكيد لا". وأضاف: الهدف الأسمى والغالب على كل ما عداه هو تحقيق المصالحة، فهي مطلب وطني عام وعلينا ألا نضعها ثمناً لأي أمر آخر. وتابع: الحكومة لا تستطيع أن تعمل دون موازنة، ويجب أن نعمل لكي لا نصل إلى مرحلة لا يكون فيها لدينا موازنة مقرة، وأنا واثق أننا سنتمكن من تقديم مشروع الموازنة قبل الموعد المحدد في نهاية شهر آذار القادم، وفي حال أنجزت المصالحة، فهذا يستدعي إصدار ملحق كما حدث في العام 2009 لمواجهة تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أواخر العام 2008 وأوائل العام 2009. الوضع المالي كما في نهاية العام 2012 وقال قسيس: إن السلطة الوطنية دخلت العام الجديد 2013 "بمتأخرات أكثر واقتراض أعلى"، ليصل مجموع الدين العام إلى حوالي 85ر3 مليار دولار موزعة كالآتي: 384ر1 مليار دولار للبنوك (بما في ذلك قروض هيئة البترول ومؤسسات عامة أخرى)، و1ر1 مليار دولار دين خارجي، وحوالي 970 مليون دولار (57ر3 مليار شيكل) لصندوق التقاعد، و400 مليون دولار لموردي السلع والخدمات (متأخرات القطاع الخاص)، في حين لا توجد أي ديون على الحكومة للموظفين باستثناء راتب شهر كانون الثاني الذي استحق قبل أيام. وأضاف قسيس: سنسعى للحصول على مزيد من المساعدات بما يمكننا من تسديد جزء من القروض للبنوك، ومتأخرات الموردين. لا موعد لصرف راتب شهر كانون الثاني من جهة أخرى، قال قسيس إنه لا موعد حتى الآن لصرف راتب شهر كانون الثاني للموظفين. وأضاف: لم يطرأ أي جديد في هذا الموضوع، فإسرائيل لم تحول مقاصة شهر كانون الثاني حتى الآن، كما لم تصلنا أي مساعدات. ما نحصل عليه هو فقط جبايات محلية بالكاد تكفي لتسيير أمور مؤسسات السلطة، لهذا لا نستطيع تحديد موعد لصرف الرواتب. الاقتراض من صندوق النقد وأكد قسيس أن لا توجه لدى السلطة في هذه المرحلة للاقتراض من صندوق النقد الدولي بعد حصول دولة فلسطين على صفة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة. وقال: أولاً الاقتراض من صندوق النقد يعني زيادة المديونية الخارجية ونحن لسنا معنيين بذلك، وثانياً علينا بحث إمكانية الانضمام كدولة إلى الصندوق، ومن ثم يمكن النظر في إمكانية الاقتراض منه. |
|
تاريخ نشر المقال 08 شباط 2013 | |