الحانوت الاحمر |
" لقد تغيرت القدس كثيرا ، لم اعد اعرفها او اعرف أحدا فيها " هذا ما قاله احد المقدسيين القدامى والذي اعتاد بين الفينة والأخرى تفقد من يعرفهم في شوارع القدس لتاكد ان المدينة التي عايش فيها اجمل ايامه كما هي لم تتغير ، ولكن في يوم وصفه ذاك المقدسي بالداكن الحزين ، ذات يوم رمادي كما هي ايام القدس طيلة فصل الشتاء ، اصيب بحالة عدم اتزان عندما راى ابواب الحانوت الاحمر المميز في شارع صلاح الدين مغلقة في ايام ليست عادية ، وعن ذلك قال المقدسي المخلص لمدينته واهلها " كم كان صعب على الكثير من المقدسيين ان يمروا في شارع صلاح الدين وان لا يروا ذلك الحانوت ذو الأبواب الحمراء مغلقا ، فاعتقدت ان صديقنا العزيز صاحب المحل " نبيل فيضي" مريض او مسافر كعادته ، ولكن عندما شاهدت انهم تمت ازالة الافتة التي تحمل اسم ذلك المحل الذي اعتاد عليه علية القوم من المقدسيين ، اصيبت بغصة كبيرة اعتقد عندها ان جزءا مهما من حياتي قد اختفى ، عندها تسال هل هذه هي مدينتى ومدينة اجدادي واجداد اجدادي ، "
فهذا المحل كان بمثابة الملتقى للكثير من المقدسيين الذين اعتادوا احتساء فنجان قهوة السبت عند نبيل فيضي بعد الجلوس على احد المقعدين الاحمرين المميزين ، وتبادل اطراف الحديث مع صاحب المحل المثقف جدا والذي يمتلك شخصية مميزة واستطاع ان يجعل محله وبحق معلم من معالم المدينة المقدسة ،فهذا الحانوت ليس كغيره من الحوانيت في القدس فهو اقرب الى صالون مقدسي ، حيث تجد المقعد الأحمر الجلدي بانتظار الأصدقاء والذين ما ان يلقون بأنفسهم على احد المقعدين حتى يبدأ بالحديث من هنا وهناك ، هذا التقليد مستمر منذ اكثر من أربعين عاما كما قال نبيل فيضي، والذي يستقبل الأصدقاء بابتسامته المعروف هو بوجهه البشوش وأناقته التي يحسدها عليها الكثيرون ، والذي أضاف انه على ذلك المقعد جلس الكثيرون من كبار القوم من مسؤولين رسميين وكتاب ورجال اعمال ، وكم تعلمت منهم الكثير وعلى راس هؤلاء رجل القدس أنور الخطيب رحمة الله عليه الصحفي الكبير ناصر الدين النشاشيبي وغيرهم الكثيرون ولو تحدثت تلك المقاعد وجدران هذا المحل لأخبرتك بإسرار وقصص تحتاج الى كتب كثيرة لتوثيقها، فهناك اجتماع الاضاد ، وهنا تحدث الكبار ، وهنا اطلق العنان لخبرات الاجيال ، وهنا تعرف الكثير على الكثير...!! وتوقف نبيل عن الكلام حتى لا يقع في المحظور واعدا ، ذات يوم بالحديث اكثر ..!
وعندما التقيت نبيل فيضي بالصدفة في شارع صلاح الدين ذات يوم قال: انه قرر إغلاق محله ليست لضيق العيش او لمرض ما بل لانه وصل الى قناعة ان القدس لم تعد كما كانت ، وتغير القوم فيها بعد ان اختفى أهل البلد، فالقدس ليست قدسنا !! وأضاف فيضي انه سيقضي وقته بلقاء الأصدقاء وقرأت الكتب والتنزه
ولم يخفى فيضي مرارته من قرار إغلاق محل هو الأشهر في شارع صلاح الدين ولكن كما قال لم أعد احتمل ما يجرى ، والتغيرات التي تشهدها القدس اكبر من اي شخص ، وبا ليت الزمن يعود يوما لأخبره ما حدث للقدس ... والحكاية لم تنتهى