السوق الفلسطيني يحتاج سنويا مليون ونصف مليون طن من الاسمنت، وتقوم شركة نيشر الاسرائيلية بتزويده السوق الفلسطيني بـ85% من احتياجاته خلال الشركة الفلسطينية المحتكرة لذلك، ما دفع صندوق الاستثمار الفلسطيني لاعلانه العزم عن انشاء شركة فلسطينية بتمويل عربي لتصنيع الاسمنت محليا وفقا لسيناريوهات متعددة بقي الدور الحكومي فيها غامضا
2014-02-25
الأسمنت.. سلعة استراتيجية في دائرة الاحتكار والضبابية وغياب الرقابة
رام الله- الاقتصادي- حسناء الرنتيسي- الغموض وعدم الوضوح من الحكومات الفلسطينية المتعاقبة في التعامل مع سلعة الأسمنت، ظل سيد الموقف طيلة سنوات ماضية، انشاء الشركة الفلسطينية للخدمات التجارية وملكيتها والقانون الذي نشأت على اساسه ليس واضحا، الشركة كانت ملكا للسلطة لكنها أديرت بأسلوب القطاع الخاص.
الشركة الفلسطينية للخدمات التجارية احتكرت استيراد الإسمنت من الجانب الاسرائيلي، على الرغم من منح وزارة الاقتصاد اذونات استيراد الإسمنت لشركات من القطاع الخاص، لكن هذه الشركات فشلت في ذلك بسبب صعوبة او استحالة منافسة الشركة الفلسطينية للخدمات التجارية.
مع الاصلاحات المالية التي حدثت لاحقا اصبحت الشركة مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمار الفلسطيني، واستمرت باستيراد الإسمنت، الأمر الذي ضمن تحول فروقات الأسعار كايرادات مالية لخزينة السلطة.
هل السلعة محتكرة؟
وزارة الاقتصاد الوطني وعلى لسان وكيلها د. تيسير عمرو نفى ان يكون للوزارة اي مسؤولية عن موضوع الشركة واحتكار الاسمنت، ونفى وجود احتكار اصلا بالسوق الفلسطيني، وقال انه لا يوجد اية وكالة حصرية باسم اي شركة في الوزارة.
وأضاف عمرو أن الوزارة لا يمكنها تحفيز المستثمرين للتقدم بترخيص للاستيراد، فهذا دور القطاع الخاص وليس دور الوزارة.
والشركة على لسان المتحدث عنها فادي نبهان، نفت ان تكون محتكرة، وقال ان هناك شركات كثيرة تستورد الاسمنت، وان هناك 40-50% من الاسمنت الـ"مكيس" مطروح في السوق، ولا تضع الشركة العراقيل امام استيراده.
وقال نبهان ان الشركة ملزمة بتوفير الإسمنت للسوق الفلسطيني، فنحو70-80% من حجم سوق الاسمنت للشركة، واذا قطع الاسمنت من السوق تتحمل الشركة مسؤولية ذلك.
واشار نبهان الى ان هناك اتفاقا بين الشركة وشركة نيشر الاسرائيلية - وهي شركة حكومية، وليست شركة قطاع خاص- وقال انه لا مانع لشركته من اقدام شركات اخرى على الاستيراد.
ما المانع من الاستيراد؟
اذا كان استيراد الاسمنت مسموحا بناء على تصريح الشركة الفلسطينية للخدمات التجارية، فلماذا توصف الشركة بالمحتكرة؟ ولماذا لا تقوم شركات اخرى باستيراد الاسمنت؟
تبين من خلال جلسة مساءلة نظمها الائتلاف من أجل النزاهة والمساءل "أمان" ان ما يمنع ذلك هو الأسعار التفضيلية التي تتلقاها الشركة، فالاتفاقية الموقعة بين الشركة وشركة نيشر الاسرائيلية ليست اتفاقية بين شركتين، انما اتفاق بين حكومتين، وبالتالي السعر الذي حصلت عليه الشركة هو سعر لا يمكن لأي شركة فلسطينية اخرى منافسته، والشرط حسب اتفاقية باريس أن يباع الإسمنت بسعر يوافق السعر الاسرائيلي، ويذهب الفرق في السعر لخزينة الدولة.
لماذا لا يحدد سعر الاسمنت؟
مع ان الإسمنت سلعة استراتيجية مثلها مثل الكهرباء والبترول، ويتوجب على الحكومة مراقبته كونه كذلك، الا انه لم يتم تحديد سعره، وبالعادة يتوجب على الحكومة تحديد السعر حين تكون السلعة استراتيجية محتكرة، فالكهرباء سلعة استراتيجية محتكرة، وتم وضع اسعار وتعميمها، وكذلك البترول، يتم اشهار السعر شهريا من قبل هيئة البترول، فلماذا لا يتم اشهار اسعار البترول؟
د. عمرو قال ان وزارة الاقتصاد الوطني غير مسؤولة عن تحديد سعر الإسمنت بالسوق الفلسطيني، ومن يريد الاستيراد من اي دولة كانت يستطيع ذلك دون الحاجة لأخذ اذن من الجانب الفلسطيني، فوزارة الاقتصاد اصدرت تعليمات لالغاء اي وكالة حصرية لاي منتج يصنّع او يأتي من اسرائيل، وطالب عمرو بضرورة توزيع المسؤوليات حسب الصلاحيات، وتنصل من هذه المسؤولية.
"هل نستورد على ظهرنا؟!"
اصحاب مصانع الباطون يطالبون بمنحهم اذونات للاستيراد بمنح تراخيص سايلو، وجدي الطريفي صاحب مصنع باطون طالب بذلك، قائلا "كيف سنستورد اسمنت دون منح تراخيص سايلو –اي ادوات نقل- "هل نستورد على ظهرنا؟!!".
وقال الطريفي ان النقل بالاكياس يضيف تكاليف إضافية على الشركات وينهكها ماليا، بينما ردت وزارة الاقتصاد الوطني ان هناك سليوهات مرخصة جديدة، لكن الطريفي قال انها ليست سليوهات بالمعنى الحرفي لذلك، فهي شبيهة بالسليوهات.
الضبابية ما زالت قائمة
الضبابية في شأن قطاع الاسمنت بقيت كما هي، فالأسعار غير محددة، والرقابة غائبة، والاتهامات متبادلة بين وزارات الحكومة التي تلقي كل منها المسؤولية على كاهل الاخرى، وبين اصحاب مصانع الباطون الذين يتذمرون ويشتكون ووزارة الاقتصاد الوطني تفند شكواهم ولا ترى مبررا له.