تجمع المؤسسات والمحلية والدولية والخبراء ورجال السياسة على عدم وجود نظام حماية اجتماعية للعاملين في القطاعات غير الحكومية في فلسطين والذي يشكل نظام التقاعد جزءاً أساسياً منه بحيث يغطي نظام التقاعد منافع توفير الدخل في حالات الشيخوخة وحالات العجز عن العمل لأسباب طبيعية ووفات المعيل، كما ويغطي نظام التقاعد تأميناً صحياً للمتقاعدين.
حاولت السلطة الفلسطنية في نهاية القرن الماضي تنفيذ عملية إصلاح لنظام التقاعد في فلسطين بحيث يتم الانتقال إلى نظام تقاعد موحد يضم جميع العاملين في الأراضي الفلسطينية يقوم على عمودين هي “DB”بنسبة 16% و “DC” بنسبة 6%. إلا أن المجلس التشريعي لم يقر القانون الذي قدم له بهذا الخصوص بناء على توصية لجنة الموازنة وأصدر قانون التقاعد العام رقم 7 لسنة 2005 الذي إنحصر تطبيقه بشكل إلزامي على العاملين في القطاع العام وبشكل إختياري على العاملين في القطاع الخاص.
لم تظهر تجربة إصلاح أنظمة التقاعد وإدارة نظام التقاعد الحكومي نجاحات باهرة تثير إهتمامات القطاع الخاص بشقيه أصحاب العمل والعاملين لتشجيعهم على الإلتحاق بنظام تقاعد القطاع العام، حيث لم يلتحق حتى نهاية عام 2007 أي من العاملين في القطاع الخاص بنظام تقاعد القطاع العام. قررت الحكومة الفلسطينية في شهر أب 2007 وبدون سابق إنذار إلزام القطاع الخاص الإلتحاق بنظام تقاعد القطاع العام وتوريد مساهمات الأفراد وأصحاب العمل إلى هيئة التقاعد الفلسطينية.
وقد إعترضت جميع فئات القطاع الخاص على هذا القرار. وبالرغم من مرور ما يزيد عن سبع سنوات على هذا القرار الا انه لم يلتحق بنظام تقاعد القطاع العام ما يزيد عن أصابع اليد الواحدة من المؤسسات الفلسطينية (بلديات، جامعات) ولم تنضم للنظام أية شركة خاصة حتى تاريخه.
وبسبب رفض القطاع الخاص الانضمام إلى تقاعد القطاع العام، وفي إطار الحوار والشراكة قررت الحكومة الفلسطينية في 10/8/2010 السماح للقطاع الخاص بتطوير نظام تقاعد خاص بالعاملين في القطاع الخاص والقطاعات غير الحكومية الأخرى. بدأت مرحلة البحث عن أفضل أنظمة التقاعد التي تناسب وضع العاملين في القطاع الخاص من حيث طبيعة النظام DB أو DC ومن حيث إدارة النظام، مؤسسة عامة أم شركات مساهمة عامة وكان لي شرف البدء في هذه العملية.
وبعد النظر في التجارب العالمية في هذا المجال ومبادرات الإصلاح التي شهدتها أنظمة التقاعد في مختلف دول العالم إبتداء من عام 1981 إلى يومنا هذا، مروراً بتجارب دول المعسكر الشرقي ودول الإتحاد السوفياتي السابقة بالإضافة إلى مبادرات الإصلاح التي شهدتها جميع الدول الرأسمالية الغربية ودول أمريكيا اللاتينية وردود فعل المؤسسات النقابية والمهنية في هذه الدول، أصبح هناك تأكيد للقناعه بعدم إمكانية فرض نظام تقاعد يقوم على عمود واحد بالنسبة لجميع العاملين في القطاعات غير الحكومة بل وضرورة صياغة عدة أنظمة تراعي خصوصية المؤسسات العاملة في القطاعات غير الحكومية وشركات القطاع الخاص وما تقدمه هذه المؤسسات والشركات من منافع للعاملين فيها تفوق ما ينص عليه قانون العمل الفلسطينية رقم 7 لسنة 2000.
اخذ هذا التباين بعين الإعتبار عند صياغة النظام الجديد وإنسجاماً مع قرار الحكومة الفلسطينية بضرورة أن لا تقل منافع نظام تقاعد القطاع الخاص عن تلك الواردة في نظام التقاعد العام، إعتبرت نسب المشاركة في نظام تقاعد القطاع العام( 10% للعامل و 12% من صاحب العمل) محدداً أساسياً لأي نظام بديل. وإستمر البحث للإجابة عن الأسئلة الأخرى التي كانت أثيرت خلال عمليات الإصلاح في العالم والمتعلقة بطبيعة النظام، حجم المنافع وألية إحتسابها، إدارة النظام وغير ذلك من المعطيات والمعايير الهامة.
لقد أدى إطلاع ممثلي القطاع الخاص على التجارب الدولية بما فيها في منطقة الشرق الأوسط الى تزايد قناعتهم بضرورة إعداد نظام يقوم على عمودين يراعي خصوصية الوضع في المجتمع الفلسطيني، فإعتمد القطاع الخاص نظام ال "DC" والمتوقع أن يضم عددا كبيرا جداً من المؤسسات العامة والمحلية والشركات الخاصة التي تقدم منافع أكثر مما ينص عليه قانون العمل الفلسطيني من جهة، والاستمرار في التنسيق والعمل ضمن الفريق الوطني للضمان الإجتماعي الذي بدأ في منتصف عام 2012 وصولاً إلى صياغة نظام ضمان إجتماعي يوفر نظام تقاعد الحد الأدنى إنسجاماً مع معايير منظمة العمل الدولية من جهة ثانية.
وقد أسفرت جهود اللجنة التوجيهية لنظام الضمان الإجتماعي والتي تشكلت من ممثلي أطراف الإنتاج الثلاثة الحكومية (وزارة العمل، وزارة التخطيط) أصحاب العمل( المجلس التنسيقي للقطاع الخاص، إتحاد الغرف التجارية) والعمال( إتحاد نقابات العمال، وإتحاد عمال فلسطين)، ومن خلال العمل الدؤوب مع منظمة العمل الدولية عن الإتفاق على معايير تصميم نظام الضمان الإجتماعي الذي يوفر تقاعد للعاملين في القطاعات غير الحكومية والذي ينطبق عليهم قانون العمل ، بحيث يقدم النظام منافع تقاعد حالات الشيخوخة، والعجز، وفاة المعيل، وتـأمين الأمومة، وذلك إستناداً إلى نظام ال DB، وبنسب مشاركة مقدارها 7.5% و8.5 % من كل من العمال وأصحاب العمل ، وضع حد أقصى للدخل الخاضع للإقتطاع وإحتساب المنافع التقاعدية، بحيث يتم إدارة هذا النظام من خلال مؤسسة ثلاثية التكوين (الحكومة، أصحاب العمل، ممثلي العمال).
ويقع على عاتق الحكومة العمل على أن يعمل هذا النظام وفقاً لأفضل الممارسات الدولية. وما زال هذا الجهد في مرحلة البداية، حيث يدور في الوقت الحاضر (شهر أذار 2014) نقاش حول محتويات مسودة قانون الضمان الإجتماعي المذكور.
في 18/2/2014 أقر مجلس الوزراء نظام تقاعد القطاع غير الحكومي الذي قدم لها في بداية عام 2012 وذلك بعد أن عرض المشروع على جميع الفئات المعنية من أصحاب عمل وعمال، بحيث لاقى استحسان البعض بينما رفضه البعض الأخر وبخاصة بعض النقابات العمالية.
وقد مر التشريع في جميع المراحل المتعارف عليها والمعتمدة في السلطة مروراً بالخطة واللجنة التشريعية ومجلس الوزراء في القراءات الأولى والثانية والثالثة، حتى بات مجلس الوزراء مقتنعاً بإقرار هذا النظام والتوجيه للرئيس لخلق البيئة القانونية المناسبة من خلال إجراء تعديلات في قانون التقاعد العام وقانون العمل لتطبيقه إختيارياً وعلى من يرغب شخصياً من العاملين في القطاع الخاص، وبالتالي عدم إمكانية فرض النظام المعتمد على أي شخص في القطاع الخاص وليشكل نظاماً تكميلياً بعد إقرار نظام الضمان الاجتماعي بالحد الادنى الذي سيكون تطبيقه بحاجة إلى تعدل كل من قانون التقاعد العام وقانون العمل الفلسطيني.
وبالرغم من هذه التفاصيل المنشورة والمعروضة للجميع تواصلت الإنتقادات الموجهة للنظام والحكومة والقطاع الخاص بعد إقرار النظام من مختلف الجهات النقابية والعمالية وبعض المؤسسات المجتمع المدني حتى ومن بعض مؤسسات القطاع الخاص، مما دفعني إلى محاورة النقاد من خلال النقاط إلى إثيرت خلال الأسبوعين الماضين في وسائل الاعلام المختلفة للوقوف على أحقية هذه النقاط وذلك ضمن العناوين التالية:
أولاً: "إقرار نظام التقاعد غير الحكومي يعري الخطة التشريعية للحكومة".
بالرغم من أني لست في موقع الدفاع عن الحكومة وخطتها التشريعية إلا أن من الانصاف القول أن هذه المقولة مغلوطة تماماً لأن الحكومة قررت في اللائحة التنفيذية رقم 16 لسنة 2010 حق القطاع الخاص في إنشاء صناديق تقاعد تتم إدارتها من قبل شركات خاصة، بعد ان أوصت للرئيس بتعديل كل من قانون التقاعد العام رقم 7 لسنة 2005 وتحويل الإلتحاق به إلى إختياري بدلاً من إلزامي، وإلغاء البند المتعلق بمكافأة نهاية الخدمة في قانون العمل لكل من ينتسب إلى هذا النظام إستناداً لما هو معمول به في حالة الإنتساب إلى قانون التقاعد العام.
وقد جاء إعداد وتقديم وإقرار نظام تقاعد القطاع غير الحكومي إنسجاماً 100% مع قرارات الحكومة وخطتها التشريعية وقناعة الحكومة أنه لا يمكن البدء في تطبيقه قبل تنفيذ تعديل القوانين المذكورة وضمان جودة التشريع المطلوب. فكيف يمكن القول بعد ذلك " بأنه قلب ظهر المجن"، لكل ما سبقه من تشريعات أقرتها الحكومة أو نسبتها للإقرار بهذا الخصوص وجعلها "أثراً بعد عين" ؟؟
ان النظام لا يشكل ولا يعتبر في أسوأ الأحوال تخلي الحكومة عن مسؤولياتها في توفير الحد الأدنى من الحماية الإجتماعية بدليل أن الحكومة تعتبر نظام الضمان الإجتماعي إلزاميا لجميع العاملين في القطاعات غير الحكومية وأن عمود تقاعد القطاع غير الحكومي هو عمود تكميلي لمن يحصل على منافع تفوق المنافع المعتمدة في العمود الأساسي.
كما ان الحكومة لم تخالف قانون التقاعد ولا القواعد الدستورية بدليل أنها كانت قد رفعت للرئيس في وقت سابق توصيات بتعديل القوانين ذات العلاقة وربطت التنفيذ الفعلي لهذا النظام بأحداث التعديلات القانونية الضرورية، ويبدو أن العديد لا يتابع التطورات ويقوم بقرأة النصوص والقرارات والتوصيات الصادرة عن مجلس الوزراء وفقاً للصلاحية التي يمنحها اياها القانون الاساسي الفلسطيني بشكل مبتور.
كما أن هناك مغالطة في الإدعاء بأن النظام أوقف المكتسبات المتعلقة بمكافأة نهاية الخدمة التي تزيد عن 9% حيث نص النظام أن جميع هذه الحقوق هي حقوق مكتسبة ولا يجوز المساس بها، وأن قانون العمل والإتفاقيات النقابة العمالية هي صاحب السيادة ولا يعطي النظام نفسه الحق في شيء من هذا القبيل.
أما شمولية هذا النظام للعمال العاملين في الإقتصاد الإسرائيلي فقد جاء لسد ثغرة وتقصير في عمل الحكومات الفلسطينة السابقة وكافة والنقابات العمالية التي لم تتمكن من إقرار نظام تقاعد فردي يقوم على أساس DC وينسجم مع إتفاقية باريس ويمكن النظام من المطالبة وتحصيل المليارات من الشواقل التي ما زالت ترقد في البنوك ووزارة المالية الاسرائيلية.
إن النظام المقر قادر على المطالبة بتحويل أموال هؤلاء العمال لحساباتهم وليس لحسابات الشركة كما يدعي البعض، وكنت اتوقع أن يتم كيل المدح والثناء على هذا النظام لمعالجة هذه النقطة وسد الثغرة القانونية والمؤسساتية التي حالت دون تحول المليارات من الشواقل من حقوق ومكتسبات للعمال الفلسطينية في إسرائيل.
والاستغراب يرتفع عندما تسمع تعليق من شارك حتى في إعداد نظام الضمان الإجتماعي حيث إعتبروا النظام خطوة إستباقية وضربه لعرقلة الجهود التي تبذل لمناقشة وإقرار نظام الحماية الإجتماعية والذي من أولوياته نظام الضمان الإجتماعي والتقاعد غير الحكومي الذي يجري الأعداد له من قبل فريق وطني واللجنة التوجيهية المنبثقة عنه، بالرغم من معرفة هذه الأطراف بمدى التطور الحاصل في إعداد نظام الضمان الإجتماعي وموقف القطاع الخاص المؤيد والدعم الكامل لهذه الفكرة وهذا التوجه من خلالي كممثل لمؤسسات القطاع الخاص في اللجنة التوجيهية.
ثانياً: "إدارة حوار وطني على النظام أم سير على نهج الاغتراب" .
لقد أوردت الصحف عناوين متعددة تشير إلى أنه لم يتم التشاور مع الأطراف ذوي العلاقة، وأن الحكومة وبعض شركات القطاع إنفردت بإعداد وإقرار النظام والصحيح أنه حصل العكس، حيث تم عرض مشروع النظام في عشرات ورشات العمل واللقاءات الخاصة مع جميع الأطراف ذات العلاقة من نقابات وشركات ومؤسسات وممثلي القطاع الخاص والوزارات المعنية واللجنة الإقتصادية في مجلس الوزراء حيث تتوفر لدي أسماء العشرات ممن حضرو هذه اللقاءات بتواريخها التفصيلية وأن الحديث حول الموضوع بكافة تفاصيله يتم منذ حوالي أربع سنين وقد اطلعت شخصياً وبجهود اللجنة التوجيهية أيضاً جميع الأطراف المعنية على كافة التفاصيل حيث كان بعضها ضد النظام وفي بعض الأحيان ومتخفظاً عليه لأنه حسب رأيهم يشكل (1) صندوق إستثمار .(2) لا يمثل نظام حماية إجتماعية .(3) يعرقل الجهود المبذولة على هذه الصعيد.(4) غياب الأساس القانوني (5) مخالفة أحكام القانون الأساسي والقانون(6) لا يعكس رؤوية أولويات واضحه لدى الحكومة تجاه الضمان الإجتماعي والحد الأدنى للأجور وضمان تطبيقه.
وللحقيقة أقول:
(1) لم يدعي النظام بأنه نظام حماية إجتماعية وإنما هو نظام تقاعد من نوع خاص يوفر منافع تقاعدية في حالات الشيخوخة والعجز وعند وفات المعيل وأن الحماية الاجتماعية هو أوسع بكثير من نظام التقاعد المقترح أو نظام تقاعد القطاع العام أو أي نظام تقاعد أخر، لكون الحماية الإجتماعية تعالج قضايا أخرى كثيرة لا تدخل في صلب قانون التقاعد ولا يجوز مطالبة قانون التقاعد بحل جميع هذه الأشكاليات. وهذا معمول به في جميع دول العالم، التي لجأت إلى معالجة المشاكل مجزأة وليس معالجتها مجتمعه، حيث أن التقاعد يتم من خلال عملية مشاركة صاحب العمل والعامل بينما تمول بقية القضايا من خلال الموازنة العامة.
(2) أن النظام المعتمد لا يعرقل الجهود المبذولة لإقرار نظام الضمان الإجتماعي والحماية الإجتماعية لسببين أساسيين هما أن النظام هو إختياري ولا يلزم أحد الإنتساب إليه وأن قانون الضمان الإجتماعي هو إلزامي ولا يمكن لأحد عدم الإلتحاق به، وهذا فرق كبير جميع الإدعاءات المعارضة في هذا الإتجاه. كما وأن جميع قوانين الضمان الإجتماعي في العالم تحتوي على عمودين الأول التقاعد الأساسي (الضمان الإجتماعي) والثاني التقاعد التكميلي (النظام المعتمد)، والذي سوف يستفيد منه الفئة التي تعمل في القطاعات غير الحكومية والتي تحصل على رواتب ومزايا أعلى من تلك الواردة وفي نظام الضمان الإجتماعي, أم يطالب المنتقدون بأن تلغى المنافع التي حصلت عليها هذه الفئة خلال السنوات الماضية ؟؟ وتضيع الحقوق المكتسبة!! كما وأن إقرار النظام جاء في الوقت الحاضر لأعطاء الفرصة للبدء في الأعمال التحضيرية من قبل هيئة سوق رأس المال بصفتها الجهة الرقابية في إعداد التعليمات واللوائح الضرورية لمراقبة النظام بالإضافة إلى إعطاء الشركة فرصة لبدء في التحضير حيث تشير خطة عمل الشركة إلا أنها سوف تحتاج إلى حوالي 18 شهراً لإستكمال المطلوب وإعفاء إشارة البدء في تطبيق النظام بشكل فعلي.
(3) أعتقد بأن الحكومة لها من المستشارين القانونيين ما يكفي لضمان عدم إتخاذها قرارات تخالف القانون الأساسي وبدون أي أساس قانوني. والدليل على ذلك أن إقرار الحكومة للنظام صاحبة التوصية بإجراء التعديلات القانونية من قبل الرئيس على كل من قانون التقاعد العام وقانون العمل. أما إذا كان المنتقدون لا يعترفون بقانونية التعديلات القانونية الصادرة عن الرئيس فهذا أمر اخر وليس مجال نقاش في هذا المكان.
(4) هل أصبح المنتقدون هم من يحدد رؤية الحكومة في موضوع الضمان الإجتماعي، أو أن المنتقدين هم أعلم برؤية الحكومة منها، وكيف يكون ذلك في الوقت الذي جاء فيه إقرار النظام إنسجاماً مع رؤية الحكومات كلها منذ عام 2010 والمتمثلة بإصلاح نظام تقاعد القطاع العام وإقرار نظام تقاعد للعاملين في القطاع غير الحكومي يتكون من تقاعد أساسي وتقاعد تكميلي، وتشكيل الفريق الوطني للضمان الإجتماعي الذي عمل مع منظمة العمل الدولية وقام بالإعلان في ورشة عمل متخصصة في 2/12/2013 عن المعايير الأساسية لتصميم نظام التقاعد الأساسية المبني على دراسة إكتوارية قامت بها منظمة العمل الدولية، بالإضافة إلى أن الحكومة طرحت النظام على جميع الاطراف المعنية عدة مرات وطلبت رأيها في الموضوع وكان أولها في عام 2012 وأخرها عام 2014 ولم تستلم أي مساهمة إيجابية أو سلبية في محتوى ومعايير النظام.
أيجوز بعد كل هذه الخطوات والقرارات الإدعاء بأن ذلك سقط على الحكومة في "البراشوت" وليس من ضمن خطتها التشريعية ورؤيتها الاجتماعية أم أن المطلوب ممارسة النقد لأغراض النقد فقط.
ثالثاَ: "دور القطاع الخاص في إعداد النظام" .
ليس سرا أن عددا من شركات القطاع الخاص هي التي بادرت إلى إعداد المشروع والدفع به في مختلف المراحل التي مر بها وذلك إنطلاقاً من قناعه القطاع الخاص بأهمية هذا المشروع من الناحية الإجتماعية والإقتصادية والتمويلية وقدرته على تجنيد الأموال لإستثمارها في مشاريع إقتصادية طويلة الامد وسد تغرة نقص الاستثمارات والسعي المتواصل وراء إستقطاب الاستثمارات من الخارج وفشل جميع الجهود والمؤتمرات الإستثمارية في إستقطاب الإستثمارات الضرورية لخلق وتطوير التنمية في الإقتصاد الفلسطيني تقوم بتوفير عشرات ألاف من فرص العمل في المستقبل.
وجاءت هذه القناعات إنسجاماً مع دور وخبرة القطاع الخاص وعلمه بأن صناديق التقاعد تشكل في أرقى وأغنى الإقتصاديات مصدر تمويل أساسيا لجميع المشاريع الكبيرة طويلة الأمد وذات التكلفة المرتفعه والتي لا تستطيع البنوك تمويلها وذلك بسبب طبيعة هذه المشاريع طويلة الأجل، وأن الإحصائيات تظهر بأن أغلب الدول الرأسمالية حتى ودول الإتحاد السوفياتي السابق ودول المعسكر الشرقي السابق أصبحت تمتلك أموال كامله في صناديق التقاعد تفوق الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول. وأهيب بالمنتقدين مزيد من البحث والإطلاع على تجارب العالم في هذا المجال. وكيف يمكن أن يعاب على القطاع الخاص إستثمار أموال المشتركين في الوقت الذي يقتنع الجميع بأن الإستثماريتم فقط من خلال القطاع الخاص ولماذا يعيب النظام أنه قدم من قبل مؤسسات القطاع الخاص الشريك الرئيس للقطاع العام في كافة المؤسسات والمورد الأول لموارد الدولة المالية !!
من ناحية أخرى يعاب على القطاع الخاص الحديث عن إستثمار أموال صناديق التقاعد، في الوقت الذي ينسى او يتناسى المنتقدون أن اموال جميع صناديق التقاعد في العالم وفي فلسطين أيضاً يتم إستثمارها في مشاريع إنتاجية وخدماتية في القطاع الخاص وليس في القطاع العام، تولد فرص العمل وتقلل من البطالة وتؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي والدخل الفردي. أن الأصل بأموال صناديق التقاعدهو أن تستثمر لصالح المشتركين وليس لصالح القطاع الخاص أو الدولة. وهذا ما نص عليه النظام حيث قام بفصل حسابات المشتركين عن حسابات الشركة التي تقدم خدمة إدارية مقابل رسوم إدارية يتم تحديد أنواعها وأحجامها من قبل الجهة الحكومية الرقابية على النظام بكامل مكوناته، وأن شركة إدارة أموال النظام محكومة للقانون وتعليمات هيئة سوق راس المال وسياسة ومعايير الإستثمار التي أقرتها الحكومة ضمن النظام ومن تعليمات الإستثمار الصادره عن هيئة سوق رأس المال.
رابعاً: "النظام متنفس وهروب العاجز إلى الأمام".
كما ذكرنا أعلاه إني لست في موقع الدفاع عن الحكومة، وبالرغم من ذلك فإن هذا الشعار المرفوع أعلاه مغلوط تماماً ، حيث أن الحكومة لم تفشل في إقرار نظام الضمان الإجتماعي، وإنما تعمل عليه منذ مايزيد عن سنة بينما تم العمل على النظام المقر منذ أربع سنوات وإستكملت كافة المراحل المطلوبة في الخطة التشريعة لإقراره مما دعى الحكومة فعلاً لإقراره وإتخاذ الخطوة الثانة في تأسيس نظام تقاعد للعاملين في القطاعات غير الحكومية يكون مستقل بشكل عام عن نظام التقاعد الحكومي.
كما وأني إستغرب ربط نظام التقاعده المقر، أو حتى قانون الضمان الإجتماعي بالحد الأدنى للأجور، فهما مضوعان مختلفان، أما بالنسبة لإستخدام عملية المفاوضات التي سبقت إقرار الحد الأدنى للأجور للتشكيك في نية الحكومة وتهربها من الإلتزام بإستكمال التشريعات والقوانين الخاصة بالضمان الإجتماعي والتأمينات الإجتماعية خلال عام من تطبيق الحد الأدنى للأجور بما يساههم في تأمين شبكة حماية إجتماعية وطنية شامله فهو مردود عليهم أيضاً ، حيث أن الحكومة على طريق إقرار هذا النظام وأن الجميع يعرف مدى صعوبة إقرار القوانين وطول الفترة الزمنية والتشاورات المطلوبة لإقرار هذه القوانين وبخاصة تلك القوانين ذات الطابع الإجتماعي الذي يمس جميع فئات المجتمع وبخاصة الفئات المهمشه منه أنه لمن المؤكد إقرار قانون الضمان الإجتماعي بعد مروره في كافة التشريعية دون حرق المراحل.
خامساً: "ماذا يحمل نظام تقاعد القطاع غير الحكومي في جعبته".
أولاً لابد من التأكيد مرة ومرات بأن الإلتحاق بالنظام هو إختياري وليس إجباريا وأن العامل هو الجهة الوحيدة التي تتخذ قرار الالتحاق بالنظام من عدمه. وهذا أمر في غاية الأهمية ولا يمكن لأحد أن ينساه أو يتناساه لأنه يغير وبشكل جذري من قانونية وإلزامية تطبيق هذا النظام. وكنت أود أن يتم التركيز على هذا العنوان بهدف تطويره وتحسينه وليس التركيز بالدرجه الألوى على قانونية وعدم قانونية النظام وتوزيع التهم هنا وهناك.
صحيح أن النظام يسمح إختيارياً بأن ينظم أليه كافة القطاعات غير الحكومية وهذا أمر جيد، حيث أنه يعطي الفرصة لمن يشاء من الفئات التي لايوجد لها نظام تقاعد الإلتحاق بالنظام وضمان منافع تقاعدية في حالات الشيخوخة والعجز ووفاة المعيل، وأن العامل هو صاحب القرار فيما اذا رغب الإلتحاق بالنظام أو الإلتحاق بنظام القطاع العام أو يبقي يعمل ضمن قانون العمل. كما وأنه لابد من التأكيد على أن هذا النظام سوف يتغير كلياً بعد إقرار قانون الضمان الإجتماعي الإلزامي بالحد الأدنى، حيث لن يكون هناك خيار وإنما إلزام بالحد الأدنى وبالعمود التكميلي والذي يشمل النظام الذي نتحدث عنه بالإضافة إلى وجود تعليمات وإجراءات تنظم العملية الإنتقالية وضمان إنتقال حقوق العاملين السابقة للنظام.
وللأسف أقول بأننا نمارس المعارضة لأغراض المعارضة دون إعطاء نفسنا فرصة الإطلاع على التفاصيل ومناقشتها مع المسؤولين والمتخصصين بعد الإطلاع على التجارب العالمية في هذا المجال، وأن فلسطين لا تعيش في جزيرة معزولة عن العالم بل انها تستفيد ويجب أن تستفيد من التجارب الدولية في هذا المجال.
وكان بودي أن تتم مناقشة منافع النظام والنصوص القانونية الفنية بغرض تطويرها لمصلحة الفئة التي يمكن أن تلتحق بهذا النظام وليس رفض الموضوع من أصله، وإتهامهم النظام بقدرته الواضحه على تخطي الخطة التشريعية للحكومة وتخطي أحكام القانون الأساسي وعدة قوانين أخرى، بل والسعي لتعديل قوانين نافذة كي تكون مسخرة لخدمة هذا النظام، الأمر الذي يوحي بأننا أمام نظام "سوبرمان" ، بالرغم من أن النظام جاء من الفه إلى يائه إنسجاماً وتمشياً مع الخطة التشرعية والخطوات القانونية والإدارية المقرة والمعتمدة في فلسطين. ولا أعتقد أن الاستهتار بعقول القرأء هو في خدمة الطبقة العاملة وإقرار نظام تقاعد يخدمها .
سادساً: "النظام لا يحمي الطبقات المهمشه".
لا يدعي أحد بأن النظام يحمي الطبقات المهمشه، وأن حماية الطبقات المهمشة لا تأتي من هذا النظام وليست من مسؤوليته ولامسؤولية أي نظام تقاعد أخر وإنما تأتي من خلال نظام الضمان الإجتماعي الإلزامي الذي يجري عليه العمل حالياً بالإضافة إلى سياسة الحماية الإجتماعية التي تمارسها الدولة. وبما أن النظام هو تكميلي سوف تستفيد منه شريحه واسعه من العاملين من أصحاب الدخل المتوسط والعالي والشريحه التي تحصل على منافع في الوقت الحاضر أعلى من تلك التي صدرها قانون العمل الفلسطيني.
من ناحية أخرى فإن الإختيارية في النظام هي بحد ذاتها عملية إيجابية وليست سلبية كما يروج لها البعض، حيث يقرر كل شخص لوحدة الإنتساب إلى النظام أم لا بناء على قناعته الشخصية بالنظام وأداء الشركات التي تدير أموال النظام. كما وأن موضوع النظام هو لس جديد وليس بسر وليس بوليد الأسبوع الماضي حيث أن الجهود المبذولة في صياغته ومنافستة تعود إلى عام 2007.
كما وعقدت المؤسسات والشركات المعنية عشرات الإجتماعات وصدرت كتب من المجلس التنسيق للقطاع الخاص في عام 2010 لكل من السيد الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الاقتصاد برفض القطاع الخاص الإنضمام إلى القطاع العام ورغبتهم في إقرار نظام تقاعد للعاملين في القطاع الخاص يقوم على أساس (DC). وتم تطوير الفكرة بجهود محلية، ويشرفني أن أكون مع اللجنة التوجيهية للمشروع عراباً لهذا النظام المتطور .
وبالتالي لا أفهم أين الخطأ في ذلك وأين التآمر الذي حصل بين الحكومة والبنوك. علماً أن البنوك في جميع دول العالم هي ذراع استثماري لجميع صناديق التقاعد، وإنه ليس بالسر وجود الملايين فيما يسمى صناديق التوفير في جميع المؤسسات والشركات الكبرى في فلسطين التي تدار من قبل لجان داخلية وتحصل على عوائد متدنية. ولماذا يفضل البعض البقاء على العوائد الهامشية بدلاً من الحصول على عوائد مضمونة لاتقل عن 6% سنوياً، وأن المصلحة بالتأكد هي للمشتركين فقط، حيث أن الأموال هي أموال شخصية لهم بما تشمله من مساهمات الأفراد ومساهمات صاحب العمل والفوائد السنوية المكفولة، وأن الأموال مرصودة في حسابات فردية لا يستطيع أحد تحريكها بإستثناء صاحب الحساب نفسه. كما وأن كامل الأموال هي حق مكتسب للمشترك وورثته من بعده.
من ناحة أخرى فإن إستهجان بعض الناس حول الرسوم التي سوف تتقاضها الشركة وصل إلى السؤال الإستنكاري حول ماذا سيبقى للمشترك؟ وكان بالأحرى بمن طرح السؤال أن يكون أكثر دقة وأمانه والقول بأن جميع الرسوم تحدد من قبل الحكومة وليس من قبل الشركة، وأن الحديث يدور عن رسم رمزي إداري لا يتعدى 30 دولا سنوياً، يضاف إلية 1% من الإشتراكات، وأن كل ذلك خاضع لرقابة هئة سوق رأس المال، في الوقت الذي تضمن فيه الشركة عوائد 6% اي عوائد صافية بمقدار 5%. كما وأن هناك إقتراحاً بأن تأخذ الشركة نسبة من العائد الذي يزيد عن 6% وذلك تشجيعاً لأداء الشركة. وأن كل ذلك يحدد من قبل هيئة سوق رأس المال ، الجهة الرقابية الحكومية.
ويزيد استغرابي النقد الذي وجه للنظام بإمكانية فتح صناديق تقاعد أخرى بشكل ينسجم مع المنافسة التامة، الذي ينتقد يرغب بأن يكون هناك صندوق تقاعد إحتكاري واحد، وهذا أمر مرفوض في كل المعايير وأن السوق الحر هو الذي سوف يحدد "مفرخة الصناديق" على حد قولهم، حيث أن تجربة دول العالم تشير إلى وجود عدد من الصنادق بلغ في إسرائيل 17، وفي تركيا 6، وفي رومانيا 4، وفي تشيلي 5. فإذا كانت المنافسه الكاملة مرفوضه فما هو رأيكم بالإحتكار إذاً ؟؟
إن النظام لم يفصل للبنوك، وإنما للشركات والمؤسسات الكبيرة التي تقدم منافع تزيد عما هو مفروض في قانون العمل، وينطبق ذلك على جميع الشركات المدرجة في البورصة، والجامعات والبلديات وعدد كبير من المؤسسات الدولية والشركات غير الهادفة للربح. وإذا كان النظام يوفر حلاً جيداً للعاملين في هذه المؤسسات فما هي المشكلة لدى البعض وبخاصة أنه ليس ملزم للجميع!!
كما وأن ذلك هو خطوه تكميلية وليست خطوه تمهيدية لنظام الضمان الإجتماعي الذي سوف لن يغطي جميع المنافع المقدمة حالياً من ناحية والذي سوف لن يغطي جميع الشركات من ناحية أخرى. إن إقرار أنظمة تكميلية هو ضرورة ملحة لضمان حقوق العاملين التقاعديه في القطاعات غير الحكومية وأن من مسؤولية النقابات الدفاع عن حقوق هذه الفئة وليس الوقوف أمام نظام يساعد في توفير حقوقهم ومستحقاتهم المالية والتقاعدية أم أن النقابات تمثل أصحاب الدخل المتدني فقط ، مع قناعتي التامة بضرورة تركيز عمل النقابات على اصحاب الدخل المتدني كأولوية قصوى